رأي

الأدب البنغالي ينافس “اللورد ڤيشنو” في البعث من جديد

مروة دسوقي

.

يقوم السِّفْر الهندوسي في الأساس على عشق وإجادة الفنون كجزء من الطقوس والعبادات والاحتفالات وسرد الملاحم، ومن ثم تجتمع كل الأسفار الهندية عبر التاريخ لتُكوِّن مزاج الهند النفسي اليوم، بكل تنوعه وتفرده وربما تناقضاته أيضًا. 

Devdas based on the 1917 novel of the same name by Sarat Chandra Chattopadhyay
Devdas based on the 1917 novel of the same name by Sarat Chandra Chattopadhyay1
Devdas based on the 1917 novel of the same name by Sarat Chandra Chattopadhyay
Devdas based on the 1917 novel of the same name by Sarat Chandra Chattopadhyay

وتقوم الهندوسية على الــ “تريمورتي” وهي كلمة سنسكريتية قديمة تعني الأشكال الثلاثة (أي الثالوث)، فيتكون الثالوث الهندوسي المُقدس من (براهما الخالق – ڤيشنو الحافظ – شيڤا المدمر). يؤكد اللورد ڤيشنو حافظ الحياة على تأثيره الإلهي من خلال الأڤاتارات (أي التجسدات) تجسد الوعي الإلهي في شكل مادي، وفي أشد اللحظات الحالكة في الحياة يظهر، ينتصر للخير ثم يذهب ولا يعود إلا عندما يتجدد الخطر، فيأتي بصورة جديدة وقوى خارقة جديدة تُناسب المعركة القادمة. 

ويمتلك ڤيشنو عشرة تجسدات عظيمة جاءت إلى الدنيا كلها في الماضي في فترات الظلام والإنحدار الأخلاقي، ما عدا التجسد الأخير “كالكي”. ينتظر الهندوس قدوم كالكي منذ عدة آلاف عام، ومن المفترض أن يأتي في نهاية عصر الظلام “كالي يوجا” حتى ينتصر الخير على الشر وتتجدد الدارما (أي الواجب وطُرق الفضيلة) والخُلق ويؤسس عصر الصلاح من جديد. 

Noukadubi based on the 1906 novel of the same name by Rabindranath Tagore
Noukadubi based on the 1906 novel of the same name by Rabindranath Tagore
Noukadubi based on the 1906 novel of the same name by Rabindranath Tagore
Noukadubi based on the 1906 novel of the same name by Rabindranath Tagore

وكذا يُبعث الأدب البنغالي بشكل أسطوري من رماده ويتجلى، ويبقى سحريًا وطازجًا وقابلًا لإعادة الإنتاج والقراءة والتدوير في المسرح والسينما. 

.

والأدب البنغالي هو ذاك النوع من الأدب الذي يُكتب تحديدًا في عموم إقليم البنغال التاريخي “المُقسم بين بنغلاديش والهند في عالم اليوم” باللغة البنغالية “وهي اللغة الرسمية في بنغلاديش وإحدى اللغات الرسمية في الهند”. يعود تاريخه إلى العصور القديمة -ربما لآلاف السنين- إلا أنه تطور بمرور الوقت وتأثر بشتى التيارات الفكرية والثقافية التي مرت على إقليم البنغال (باعتباره المجتمع الأكثر وعيًا وثقافة وقوة في الهند)، فلم يعرف الجمود يومًا فنهل من الأدب الهندوسي والبوذي والمسلم.. إلخ. 

Parineeta based on the 1914 Bengali novella of the same name by Sarat Chandra Chattopadhyay
Parineeta based on the 1914 Bengali novella of the same name by Sarat Chandra Chattopadhyay
Parineeta based on the 1914 Bengali novella of the same name by Sarat Chandra Chattopadhyay
Parineeta based on the 1914 Bengali novella of the same name by Sarat Chandra Chattopadhyay

يشتهر الأدب البنغالي بالأصالة وقوة العاطفة والشجن في كل صنوفه -في الشعر والأدب الروائي والمسرحي والنصوص الدينية والفلسفية- لذا ينضح بأسلوبه الجذل وعاطفته العميقة الصادقة وقدرته على التعبير عن الأفكار الفلسفية والدينية والاجتماعية والوطنية بطريقة مؤثرة، وهذا ما يلمس القلب فتشعر أنه يقص مأساتك. 

كما أن الأدب البنغالي ترك بصمته في الثقافة العالمية -ولاسيما في المجالات الأدبية والفنية مثل السينما والموسيقى- بعدما ذاع صيت فيلسوف الهند رابندراناث طاغور مطلع القرن العشرين.. لكن لم يكن طاغور يقف وحده في ميدان الإبداع أبدًا، فقد كان هناك بانكيم تشاندرا تشاترچي وسارات تشاندرا تشاتوبادهي وساتياجيت راي (الذي أخذ السينما الهندية إلى التتويج بجائزة الأوسكار) وغيرهم الكثيرين. وكما أنه يكتسب شهرة عالمية إلا أنه يبقى الأشهر في موطنه الهند وبنغلاديش وجنوب آسيا. 

Chokher Bali based on the 1903 novel of the same name by Rabindranath Tagore1
Chokher Bali based on the 1903 novel of the same name by Rabindranath Tagore1
Chokher Bali based on the 1903 novel of the same name by Rabindranath Tagore
Chokher Bali based on the 1903 novel of the same name by Rabindranath Tagore

ومن زمن الأبيض والأسود مرورًا بالعصر الذهبي حتى عالم اليوم يُبعث الأدب البنغالي من رماده في اللحظات الحالكة ويُنقذ السينما الهندية، فتتجسد الأعمال الكلاسيكية إلى فنون سينمائية (والأمثلة كثيرة فهناك Chokher Bali و Parineeta و Noukadubi و Devdas و The Apu Trilogy و Charulata و Kabuliwala)، مما يُرسخ أن الوعي الهندوسي يعمل بنفس أصالته الأولى، والجديد ما هو إلا فراشات النار تتراقص وتتألق حول القديم المُشتعل، فيتجدد ويعود ڤيشنو في هيئة جديدة بنفس الطالع الأصيل لينتصر الخير على الشر وينتصر معه الإنسان بمعجزته الخالدة “الفن”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى