نقد

“ريش” الفيلم الذي يسيء لسمعة كوكب الأرض

مصطفى الكيلاني

تجربة مشاهدة فيلم “ريش” تحتاج كما يقول إبراهيم الجارحي في فيديوهاته “مشاهدا من نوع خاص”، ولأن الحكم على فيلم مثل “ريش” لن يتأتي لأشخاص ليس لديهم خبرة مشاهدة كبيرة، فلا أظنه يسيء لمصر نهائيا، ولكنه فعليا يسيء لكوكب الأرض.

تصنيف “ريش” قد يكون أقرب للفنتازيا، وبه كوميديا سوداء من النوع الأعمق والأغمق، وصناعه بذلوا مجهودا كبيرا في إضحاكنا على الخراب الذي نراه يوميا في أنفسنا وفي ذلك العالم الذي على وشك الانهيار، فالفيلم لا يمكن أن يعبر سوى عن كوكب كامل بفساده وشهوته وأمراضه وشحوبه وتلوثه.

أويما 20 - Uima20 |

حياة كل أبطال فيلم “ريش” الذي عرض في الدورة الخامسة لمهرجان الجونة السينمائي في خرابة كبيرة ملحقة بمصنع، فأبطاله الذين جمعهم المخرج عمر الزهيري بدون أي خبرات تمثيل سابقة، يعيشون في تلك الكآبة المتجسدة في مكان لا يصح للحياة الآدمية، بدون تحديد زمان أو مكان.

لا تتحرك كاميرا عمر الزهيري، فهي دائما كادر ثابت، كالبقعة الزمنية الموحلة التي أوقعنا فيها، نري الزوج الذي فقد في لعبة ساحر أتى به لعيد ميلاد طفله، وبقي مكانه في الصندوق دجاجة بيضاء، تهتم بها الزوجة المكلومة الصامتة دائما، اعتقادا منها أن الساحر حول زوجها لدجاجة.

أويما 20 - Uima20 |

الزوجة تعيش في منزل عبارة أقرب للخرابة حقيقة، وكل تحركاتها في خرابات ما عدا منزل السيدة الغنية التي تولت خدمتها لسد أفواه أطفالها الثلاثة، الزوجة حين تزور الطبيب البيطري ليعالج دجاجتها كانت عيادته عبارة عن خرابة، وكذلك مكتب المصنع وقسم الشرطة وقهوة الرجال المتصابين، والمول الذي في فاترينته القذرة ملابس قديمة وداخله أدوات صحية متربة، وعيادة الصحة المختلفة قليلا في أنها خرابة على ترعة كبيرة.

أويما 20 - Uima20 |

يركز عمر الزهيري على التفاصيل، متعمدا صناعة حبكة مختلفة من خلال وضع تفاصيل متكررة تدعم وجهة نظره، فتفصيلة “عد الأوراق النقدية” تتكرر طوال الفيلم، مع اختيار أوراق نقد قديمة ومهترئة تماما، لتوضيح فكرة سيطرة حائز الأموال على المحتاج.

كذلك تفصيلة دخان المصنع الكثيف جدا الذي يهب من الشباك، والمتكررة عدة مرات بالفيلم، وإرضاع الطفل، والنظرة للأسفل والانكسار الدائم للأم حتى قبل غياب زوجها، ولم تتغير إلا في لحظة ابتسامة مسروقة، في قهوة الرجال، أثناء رقص أحدهم بشكل نسائي.

أويما 20 - Uima20 |

بعكس نظرتها، غاب انكسار المرأة في أفعالها، حين تصد صديق زوجها المتحرش، وحين تطلب من صاحب “المول” أن يتولى الدفاع عنها ضد تحرشاته، وحين تعمل من أجل قوت أطفالها، وحين تهتم بزوجها العائد بأمراض كثيرة، وحين تضربه لكي يصحو من غياب عقله، وأخيرا حين تقتله لأنه أصبح حملا تنوء به ولا تستطيع أن تعتني به وتحمي أطفالها، وبعد جريمتها تصنع الطعام وتأكل مع الأولاد بكل برود.

صناعة فيلم مثل “ريش” أظنه تطلب جرأة كبيرة من مخرجه عمر الزهيري صاحب تجربته الإخراجية الأولى لفيلم طويل، وشريكه في الكتابة أحمد عامر، مخرج وكاتب الفيلم الجرئ “بلاش تبوسني”، ولكن مع كل روعة الفكرة وتفردها، غابت عنها الروح، فإغراق الزهيري في التفاصيل أنسته جعل الشخصيات قابلة للتجسيد من البداية.

أويما 20 - Uima20 |

عدم تدريب الممثلين قبل التصوير، جعل بعض المشاهد تلقائية وجميلة، وبعضها الآخر مزعج للمشاهد الذي لم يقبل أن يجد تهاونا كهذا في تجسيد فكرة بغاية الأهمية مثل التي يطرحها عامر والزهيري، وأظن أن الأخير لم يتمكن من الاهتمام بالدراما قدر الاهتمام بالتفاصيل الأخرى بسبب تحوله من الإعلانات للسينما.

في النهاية، بعد مشاهدة “ريش” في الجونة محاكمة لكوكب كامل، مثقل بالآلام، لم يحدد صناعه لا زمان ولا مكان، ولو تم تنفيذه بروية أكثر لكان واحدا من أجمل أفلام السينما المصرية منذ بداية القرن الحالي.

والصورتين التاليتين لأبطال “ريش” قبل عرضه في الجونة أثناء تكريمهم من قبل وزارة الثقافة، وذلك قبل اتهام البعض بالإساءة لسمعة مصر.

أويما 20 - Uima20 |
أويما 20 - Uima20 |

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى