رأي

سر نجاح الدراما الكورية وانتشارها المتزايد

لماذا نحب الدراما الكورية

حظيت الدراما الكورية بنسب متابعة عالية في الفترات الماضية وما تزال شعبيتها بازدياد، بالرغم أنها تشمل الأعمال التاريخية والكوميدية والخيال والخيال العلمي إلا أن أكثر أنواعها شعبية الكوميديا الرومانسية.

ولم تؤثر بساطتها على شعبيتها, فما هو السر في ذلك ؟ ومتى وكيف بدأت هذه الموجة؟

بدايتها في العالم العربي كانت مع مسلسل “أيام الزهور” المقتبس من “المانغا اليابانية” “هانا يوري دانجو” للكاتبة “يوكو كاميو”. والذي بث لأول مرة عام 2009 .

أويما 20 - Uima20 | سر نجاح الدراما الكورية وانتشارها المتزايد
مسلسل أيام الزهور

ساهم هذا المسلسل في انتشار “الموجة الكورية” (الهاليو) إذ حقق نسب مشاهدات قياسية, ونسخ لعدة لغات منها اللغة العربية حيث بُث على قناة إم بي سي 4.

ولنعرف السر في ذلك علينا التعرف على “الهاليو” التي تشكل تجربة ملهمة للدول التي تريد نشر ثقافتها وتشجيع السياح للسفر إليها.

 فما هي “الهاليو”؟

 هي موجة ثقافية كورية أطلقتها دولة كوريا الجنوبية عام 1990. وكانت الصين أول من تأثر بها في أواخر التسعينات من القرن العشرين, وهم من أطلقوا عليها  كلمة «هاليو» في منتصف عام 1999 والتي تعني «التدفق الكوري».وكان ذلك بسبب سرعة انتشارها. وقد تطورت الموجة الكورية مع انتشار موسيقى البوب الكوري (K-pop) والذي أصبح منافساً لا يستهان به عالمياً خاصة مع الفريق الأكثر شهرة وشعبية “بي تي إس” (BTS)، وفرقة “بلاك بينك” (BLACKPINK) للفتيات. لتنتقل من كونها موجة إقليمية محلية تسيطر على جنوب شرق آسيا إلى ظاهرة عالمية يعشقها الشباب والمراهقين في أمريكا اللاتينية وشمال شرق الهند والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأغانيهم تساهم في غرس العديد من الأفكار الإيجابية التي توحي بحب الحياة والعطاء والتحدي ومواجهة المواقف الصعبة والوصول إلى الهدف.

أويما 20 - Uima20 | سر نجاح الدراما الكورية وانتشارها المتزايد
فرقة بي تي اس

إذاً هي موجة صنعت بقرارٍ حكومي من حكومة كوريا الجنوبية التي استخدمتها كأداة للقوة الناعمة والسياسة الخارجية, فتصدرت بذلك قائمة المستفيدين من مفهوم القوة الناعمة. وقد ساهم قبول الثقافة الكورية الجنوبية بتحقيق تدفق ثنائي الإتجاه للثقافة والسلع والأفكار.

أويما 20 - Uima20 | سر نجاح الدراما الكورية وانتشارها المتزايد
بلاك بينك

سر استمرارية وتطور “الهاليو”:

ال”كي –دراما” تعتمد على خصائص إدمانية، حيث تعمل على  إنشاء روابط عاطفية مع المشاهدين، فيتم تطوير الشخصيات وبنائها من خلال المواجهات والمواقف الصعبة التي تجعل الجمهور مرتبطًاً بها ومتعلقاً بتفاصيلها، ويشعر بنفس العواطف التي تشعر بها، وتنتهي كل حلقة من حلقات الدراما الكورية بموقف مفصلي يجعل المتابعين ينتظرون الحلقة القادمة من أجل معرفة كيفية حل هذا الموقف.

والسر الآخر يكمن في التسويق, ففي كوريا يتم إنفاق جزء كبير من الميزانية على رسوم ظهور كبار النجوم لأنهم يعتمدون على شعبيتهم في التسويق، لدرجة أن ما يأخذه الممثلون في بعض الحالات يصل إلى 55-65 ٪ من الميزانية!

وهناك شركات متخصصة في استقطاب الممثلين لأداء الأدوار المرسومة بعناية.

أويما 20 - Uima20 | سر نجاح الدراما الكورية وانتشارها المتزايد

ولكن الأهم من هذا وذاك هو وجود “وكالة المحتوى الإبداعي” التي تتولى مراقبة أداء هذه الموجة, وتملك الوكالة مكاتب خارج كوريا, وتتعامل مع الترفيه على أنه صناعة, وتعتمد على لغة الأرقام والعوائد. ومن مهام هذه الوكالة بناء شبكة علاقات مع عدد من الدول، بما يساهم في نشر وتطوير أعمالها والهدف الواضح هو إيصال الثقافة الكورية إلى العالم.

وترتكز خطة عمل الوكالة على 3 محاور: 1-الدراما التلفزيونية  2-السينما 3-الموسيقا والأغاني.

تراقب الوكالة المنتج الفني الكوري وتقوم بمعاقبة الأعمال والممثلين الذين يؤدون مشاهداً مخالفة لقواعدها, والتي تتضمن مشاهد عري أو عنف.  ومن المسلسلات التي عوقب ممثليها مسلسل “لا بأس أن لا تكون بخير” و”الحب تحت ضوء القمر” و “الإمبراطورة الأخيرة” وغيرها..

أسرار الانتشار:

السر في هذا الانتشار هو ما تقدمه كوريا الجنوبية من دراما تلفزيونية، تعتمد على ممثلين في ريعان الشباب والجمال, إضافة إلى مواضيع تحاكي ما يرغب فيه المشاهد (كالحب العذري والرومانسية البريئة -وهو الموضوع المفضل للمراهقين الذين يشكلون القاعدة الجماهيرية الأساسية لجمهور الكي دراما- والصداقة والعلاقات العائلية بين الأفراد والمال).

وعلى عكس الأفلام والمسلسلات الأمريكية التي تعتمد المشاهد الباذخة والمؤثرات المبهرة والكثير من العنف والجنس والشتائم، فإن المسلسلات الكورية تعتمد على الجانب الإنساني للشخصيات،غالباً ما يجد المشاهد نفسه في إحداها، وهذا يجعله يندمج بسهولة مع المسلسل.

كما تقدم المسلسلات الكورية مجموعة من الرسائل الحسنة والمفيدة، حيث يسودها الاحترام الذي يبدو سمة سائدة في المجتمع والعائلة الكورية. فهي دراما يغلب عليها الطابع المحافظ, تقدم قصصاً عادية لأناسٍ عاديين مع الكثير من العواطف والتحليل لكل تفاصيل الحدث.انتقامات صغيرة, حوارات صادقة خالية من المراوغة والكذب والشتائم أو الكلمات البذيئة. الأحداث ليست سريعة جداً ولا بطيئة,وهي مبنية على تفاصيل دقيقة. وبشكل عام فهي دراما تبث الكثير من الطاقة الإيجابية حيث يشيع فيها الهدوء مع جمال وأناقة الممثلين, واستعراض مناطق جميلة من البلاد, وأطباق محلية يتم التركيز عليها وتكرارها حتى صار للطعام الكوري مطاعم متخصصة بصنعه في معظم البلدان. ويمكن القول أنها دراما رومانسية وعائلية  تقدم مسلسلات اجتماعية تصلح للعائلات والأطفال على خلاف التركية أو الهندية والهوليودية.

أويما 20 - Uima20 | سر نجاح الدراما الكورية وانتشارها المتزايد

وهذا ما يؤكده المتابعون للـ”كي-دراما” الذين يصرحون بأن أكثر ما جذبهم هو القيم الإنسانية الجميلة التي تنقلها تلك الدراما, ومن أهمها احترام الكبير، والحرص على الترابط الأسري، وحب العمل، وإعلاء قيم المشاركة والتعاون.

و لا ننسى دور كل من التصوير والإخراج بالإضافة إلى المعدات الحديثة المستخدمة والتي تزيد من جمالية الصورة.

مشاكل الدراما الكورية:

رغم كل ما سبق فإن ال “كي –دراما” لا تخلو من العيوب، فهي تقدم مشاهدة ممتعة ولكنها كثيراً ما تكون بعيدة عن الواقع, وتغيب فيها كل الهموم الاقتصادية والسياسية والمعيشية والوجودية للإنسان, لتقتصر على المشكلات العاطفية أو التنافسية الفردية, باختصار هي تشكل عالماً موازياً للواقع يسمح لمتابعه بالهروب من الواقع نفسه.

ومن الملاحظ أنه في كل مشكلة تمر بها إحدى شخصيات العمل يتمُّ اللجوء إلى شرب الكحول حد الثمالة على أنه الحل الوحيد والأوحد.
عدا عن كونهم يكررون قصصاً متشابهة -وأحياناً متماثلة- مع اختلاف بسيط في التفاصيل. وهم لا يكتفون بذلك بل إنهم يقومون بإعادة سرد الفعل والحدث البسيط عدة مرات من خلال روايته من أشخاص مختلفين مع أننا رأينا الحدث أمام أعيننا ومع ذلك فهم يشبعونه تحليلاً لدرجة الملل.

والرجال في هذه الدراما أشخاص لطيفين ومحترمين, لا يعانون من كبت المشاعر, ومن الطبيعي أن يبكي أحدهم عندما يحزن إذ لا يوجد أي مانع مجتمعي في ذلك,
إلا أن مكياج الأبطال الذكور يماثل ماكياج البطلات الإناث وهذا من أكثر النقاط استفزازاً في هذه الدراما أ! فكثيراً ما يكون ماكياج الممثلين وأحمر الشفاه الخاص بهم ظاهر لدرجةٍ مستفزة.

أخيراً .. ماذا نتعلم من الموجة الكورية؟

استطاعت الدراما الكورية أن تتميز عن ” أوبرا الصابون” -رغم تشاركهما المواضيع ذاتها – من خلال ابتعادها عن التمطيط والإطالة إذ تم اختصار عدد الحلقات إلى 15-25 حلقة , وأيضاً تميزت بوضع قيم أخلاقية وإنسانية للنصوص, وهذا الاختلاف هو سبب انتشارها, والأهم من ذلك الاهتمام بهذه الصناعة حكومياً واستخدامها وتخديمها عالمياً.

ويذكر أن الكثير من الكي دراما حديثاً بدأت تشب عن الطوق نظراً لدخول وتدخل جهات إنتاجية عالمية جديدة , منها منصة “نتفلكس” التي بدأت تركب الموجة الكورية لتستفيد من شعبيتها وتعمل من خلالها على إدخال توجهات وقيم مختلفة تماماً عما تسعى لنشره “وكالة المحتوى الإبداعي الكورية.”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى