نقد

قتلة زهرة القمر.. تاريخ إبادة السكان الأصليين

اريخ عرض الفيلم ساهم في تغيير وجهة نظر المواطن الغربي

تنظيم عصابي لقتل قبيلة الأوساج على يد الرجل الأبيض الأمريكي

تاريخ العنف والدموية الذي ساهم في بناء الولايات المتحدة

تاريخ عرض الفيلم ساهم في تغيير وجهة نظر المواطن الغربي

مصطفى الكيلاني

في فيلمه الأخير “قتلة زهرة القمر”، ظهر المخرج مارتن سكورسيزي في نهايته ليقدم لنا واحدا من أجمل الخطابات في الأفلام، سرد فيه قصة الفيلم المأساوية، وكيف كان أبطالها، ويطرح لنا قصة تعامل الرجل الأبيض مع السكان الأصليين، وهي نفس نظرته لنا كسكان الشرق الأوسط.

عرض الفيلم جاء في توقيت هو الأصعب على أمريكا وربيبتها إسرائيل، فعرضه كان داعما لتغيير وجهة نظر المواطن الغربي فيما تفعله حكوماته في أزمة فلسطين، وفي القضية العربية عموما، وتم فتح ملف جرائمهم في العراق وسوريا وليبيا، وهو ما ظهر جليا في مظاهراتهم ولقاءات بعضهم على شاشات القنوات الغربية.

أويما 20 - Uima20 | قتلة زهرة القمر.. تاريخ إبادة السكان الأصليين

رواية Killers of the Flower Moon للكاتب ديفيد جران، قدمت تاريخ التنظيم العصابي الذي تفنن في قتل أفراد قبيلة الأوساج من السكان الأصليين لأمريكا الشمالية، وأيضا بداية تكوين جهاز المباحث الفيدرالية الأمريكي، الفيلم ركز على الحكاية الأولى وترك الثانية لقرب النهاية، وصنع ملحمة توضح كم الجرم الذي ارتكبه الرجل الأبيض ضد الجميع.

صنع سكورسيزي فيلما بعيدا عن مدينته المفضلة ليحكي قصة عن عصابات أفظع كثيرا من عصاباته التي أحبها في نيويورك. يروي قصة جرائم غامضة وظلم تاريخي وقع في أوكلاهوما في بداية عشرينات القرن الماضي، والتي استهدفت أعضاء قبيلة “أوساج” الغنية أراضيها بالنفط. ويتم اكتشاف منظمة سرية تهدف إلى طرد القبيلة من أراضيها. وكيف تم التستر على تلك الجرائم من قبل الحكومة الأمريكية.

قراءة فيلم قتلة زهرة القمر قد تكون على ثلاثة مستويات تحليل الفيلم على عدة مستويات. المستوى الأول، يمكن اعتبار الفيلم قصة جريمة غامضة وكيف تستطيع المباحث الفيدرالية ببعض الذكاء وبقدرات ضعيفة جدا حلها مع مساهمة من عدة صدف حدثت ساهمت في ذلك الحل.

أويما 20 - Uima20 | قتلة زهرة القمر.. تاريخ إبادة السكان الأصليين

 على المستوى الثاني، يمكن اعتبار الفيلم قصة عن الظلم التاريخي الذي تعرضت له قبيلة أوساج، وكيف أصر تنظيم إجرامي على إبادة تلك القبيلة بالقتل عن طريق الرصاص أو السم، وكذلك عن حكم الإدارة الأمريكية على القبيلة بأنهم محدودي القدرة العقلية فيجب أن يكون لكل واحد منهم وصي يشرف على أمواله ويحق له التصرف فيها كما يريد.

إنه تاريخ العنف والدموية الذي ساهم في بناء الولايات المتحدة نفسها. عن قبيلة “أوساج” التي تم إطلاق النار على بعضهم، وتم تفجير البعض الآخر، بينما مات آخرون بسبب مرض هزال غامض نتيجة السم. وغالبا ما يُشار إلى هذه الحقبة في الإعلام الأمريكي باسم عصر إرهاب الأوساج، وهو وصف غريب يوحي خطأ أن القبيلة كانوا مسؤولين بطريقة ما عن الأهوال التي ارتكبت ضدهم.

أويما 20 - Uima20 | قتلة زهرة القمر.. تاريخ إبادة السكان الأصليين

لقد طرد المستوطن الأمريكي الأبيض الأوساج من كانساس إلى شمال شرق أوكلاهوما، ويبدأ الفيلم بمرثية كاهن القبيلة لما سيحدث لأطفالها من تعلم لغة الرجل أبيض وعاداته، مع طقس لدفن “غليون” في أرضهم الجديدة لكي يحل السلام، ومن تلك الحفرة الصغيرة يتدفق النفط، ويرقص شباب القبيلة بشكل هستيري مع سقوط نافورة النفط عليهم، ليفتح الكادر على منظر طبيعي رائع سيتحول فيما بعد إلى منصات نفطية تدمر جمال ذلك المنظر، ويتحول اسم أفراد القبيلة إلى “المحظوظون”، ويصبحون الأعلى دخلا في العالم، وتحتفي بهم محلات المجوهرات والملابس الفاخرة.

سكورسيزي تحرك بالكاميرا كما شاء، بالأجواء المظلمة في منزل العم “ويليام هيل” روبرت دي نيرو، والأماكن المنيرة لـ”مولي” ليلي جلادستون، التي قدمها سكورسيزي كأنها ملاك يملك قدرا كبيرا من الذكاء، وقدرا أكبر من البراءة، ووضعها دائما في بؤرة نور وكأنها قديسة، واستخدم طريقته المحببة في حركة الكاميرا خلف الممثل، وكأنها تتلصص عليه أو تشاركه مشواره.

وقدم الفيلم مشاهدا كأنها وثائقية من ذلك العصر، صنعها سكورسيزي بدقة عالية، وكأنها أصلية بكاميرات أوائل القرن العشرين، في مشاهد متتالية في المشاهد الأولى للفيلم توضح كيف تم القضاء على “الأوساج”، بميتات غرائبية لأشخاص بدت عليهم الصحة قبل وفاتهم.

صنع سكورسيزي فيلمه الملهم في ثلاث ساعات ونصف، لم يكن فيها باحثا عن مشاهد الأكشن والمطاردات المعتادة في أفلام العصابات، بل تأريخ لأبرياء تعرضوا للاستغلال والاضطهاد بطرق لم تستطع براءتهم تخيلها، حتى من حاول مساندتهم من الجنس الأبيض تم قتله وتشويهه بطرق مرعبة، هذا الفيلم الغامض هو تحليل لتلك المؤامرة التي تعرض لها الأوساج، وفتح لباب مناقشة التاريخ الطويل والوحشي للإبادة الجماعية للأمريكيين الأصليين، فهذا التاريخ نادرًا ما يتم منحه حقه أو حتى وقتا في الأفلام الأمريكية.

أويما 20 - Uima20 | قتلة زهرة القمر.. تاريخ إبادة السكان الأصليين

ملحمة سكورسيزي لم تخل من موسيقى متفردة خليط من موسيقى الريف الأمريكي مع موسيقى السكان الأصليين، استغلها بشكل أكثير ضجيجا في بداية ظهور ليوناردو دي كابريو، واستغلها بشكل متوازن جدا للتعبير عن حجم المتاهة التي يعيش فيها شعب الأوساج، وسكورسيزي كعادته دائما في استخدام الموسيقى في أفلامه، يخضع الموسيقى وكأنها أحد ممثليه البارزين على الشاشة، تأتي في لقطات حاسمة لتدير الصراع لا لتعبر فقط عن مشاعر أبطاله، ولا ننسى كيف استخدم الموسيقى التصويرية في مشهده الملحمي لحرب عصابتي الأيرلنديين والمولدين في أميركا في تحفته “عصابات نيويورك”.

أويما 20 - Uima20 | قتلة زهرة القمر.. تاريخ إبادة السكان الأصليين

قد تشعر في بعض الأحيان بطول الفيلم، ولكنك لا تستطيع أن تبعد نظرك عن الشاشة، فالمخرج بعكس أفلامه الأخرى أضاف إيقاعا هادئا في مشاهد كثيرة، لكي يحتفي بمعاناة الأوساج، ويجعلك كمشاهد تغرق في تلك المعانة حتى الثمالة، وراعى أن يكون المونتاج عابرا بين المشاهد، باتصال واضح بينها “أوفر لاب” صوتي، وكأنها يفتح بابا للمشهد التالي وكأنه جزء من سابقه.

صنع سكورسيزي ملحمته وكأنه يقدم عريضة للمحكمة الإنسانية، يضع أمامها كل الحقائق، ويسرد كل ما حدث من إبادة، ويفضح كل تواطؤ، ويطعن مشاعر مشاهديه بكل جرأة، وينتهي منك بنفسه في ظهوره بالمشهد قبل الأخير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى