آل شنب.. السقوط في بئر الاستسهال
مصطفى الكيلاني
تساؤل دائم يطرح نفسه علينا في الآونة الأخيرة، في ظل موجة أفلام كوميدية للاستهلاك مرة واحدة، لا تضحكك وتمتعك، ولكنها عبارة عن موجات من “القلش” السخيف، تستمر لدة 90 دقيقة وتنتهي بدون أن تحصل على متعتك.
ولم تكن تلك الموجة إلا تطورا للانهيار الذي حدث لجيل هنيدي ومحمد سعد، وما حدث بعده من افراغ الساحة لجيل مسرح مصر، الذي نقل الكوميديا لمرحلة هي الأسوأ في تاريخ صناعة الفن في مصر، أسوأ حتى من مسرحيات الصيف التجارية التي كانت تستهدف الجمهور الخليجي الراغب في ضحكة سريعة أثناء رحلته العائلية إلى مصر.
تذكرت تجاربا كوميدية كثيرة سيئة حين انتهيت من مشاهدة فيلم “آل شنب” في مهرجان الجونة السينمائي، قدمت المخرجة أيتن أمين فيلمها باعتباره فيلما تجاريا، تستهدف به جمهورا جديدا، وكنت متحمسا لمشاهدة أيتن أمين في تجربة مختلفة عن كل ما قدمته سابقا، فهي مخرجة واعدة منذ فيلمها الروائي القصير الأول “راجلها”، وفيلمها الوثائقي “تحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي”، ومشروعها الأهم “فيلا 69″، مرورا بفيلم “سعاد” الذي شارك في دورة مهرجان كان الافتراضية التي عقدت في 2020، ولكنه لم يكن على مستوى فيلمها الروائي الطويل الأول.
انتظرت من أيتن أمين أن تقدم فيلما به رؤية عميقة للكوميديا، وفهما جيدا للسيناريو وبناء الشخصيات، فهي مخرجة أتت من السينما المستقلة الأكثر وعيا بأهمية البناء الدرامي قبل الحشوات التجارية، ولكن ما شاهدته في “آل شنب” كان سقوطا مريعا لمخرجة متميزة، وعملا شديد الضعف، فلا هو فيلما يحمل قيمة فنية تعوضه عن التهاوي المتوقع في إيراداته عند عرضه تجاريا، ولا هو فيلما يقدم “كوميديا مسرح مصر” التي تضحك الجمهور وينساها بعد ثوان معدودة.
آل شنب سيناريو متهالك جدا، ومواقف تبنيها المخرجة ولا نعرف سببها وتختفي بدون سبب، بدون آن نعرف لماذا وجدت ولماذا اختفت بدون مبرر، فمشهد زجاجة الخمر التي يطلبها طارق “محمود البزاوي”، لم يكن له أي مبرر درامي، وفجأة اختفت الزجاجة ولم نعرف لماذا طلبها ولماذا لم يأت لاستلامها، ولماذا اختفت فيما بعد.
شخصية دلال وعمها وابن عمها، شخصيات خلقت في السيناريو ولم نعرف لماذا أتت تلك العائلة للعزاء وبأي مبرر، ولماذا أيضا اختفت بدون مبرر، وشخصية عمرو زميل “ليلى” أسماء جلال في البنك، والذي قدم السيناريو أنهما على علاقة واضحة لكل الزملاء، ولكنه في نفس الوقت خطيب زميلته المحجبة في نفس البنك، الذي يملك هو مفاتيحه، ويسهران معا في البنك بعد مواعيد العمل الرسمية، ويمارسان فيه مقدمات الجنس وكأنه منزلها.. أي بنك هذا الذي يملك موظف فيه مفاتيحه، ويدخله مع زميلته بعد العمل وكأنه شركة والده، والحديث مع طارق صديق خالها “محمود البزاوي” عن فارق العمر بينهما، أين هو فارق العمر في شخصيتين بمنتصف العشرينات كما يوضح شكل كل منهما في الفيلم؟
كثير من مشاهد الفيلم بلا معنى، ومعظم شخصيات الفيلم لم تقدم المخرجة أي معلومات عنهم، بل أننا انشغلنا طوال الأحداث بمعرفة ما علاقة القرابة بين هؤلاء والأخوات الأربعة “لبلبة، سوسن بدر، ليلى علوي، هيدي كرم”، وشخصية طارق ما فائدتها في الأحداث، غير أنه مثل للفتاة “ليلى” مقام الخال حسين في مشهد السيارة فقط. فما الداعي لكل مشاهده السابقة، ومشادتهما في البنك قبل معرفتها بعلاقة الصداقة بينه وبين خالها.
لو قررت سرد الكثير من تفاصيل السيناريو غير المبررة لاحتجت إلى مقال من جزئين حول الكثير من التفاصيل التي لم أستطع استيعاب غيابها على مخرجة نابهة مثل أيتن أمين، ولا أظنها غابت عن ممثلين كبار احتشد بهم الفيلم.
في صناعة الكوميديا، تكون الصورة وطريقة قطع المشهد سببا رئيسيا في تقديم “الإيفيه” سواء كان لفظيا أو موقفا داخل الأحداث، وأحد أهم الأساتذة كان المخرج فطين عبدالوهاب، أبو الكوميديا المصرية، والذي قدم في أفلامه دروسا واضحة لأي مخرج يريد تعلم صناعة كوميديا سواء بحركة الكاميرا أو بناء المشهد بصريا، وكذلك كيفية التركيز في المونتاج على تطوير “الإيفيه” بقطع قبله أو بعده، أو التركيز على تفصيلة معينة مثلا “حركة يد” أو تعبيرات وجه، وغيرها.
ولم تستطع موسيقى خالد حماد أن تقدم حلولا لمشاكل المونتاج، لأن المخرجة لم تكن على دراية بطريقة استخدام الموسيقى التصويرية في تلك النوعية من الأفلام، سواء كانت اجتماعي لايت أو كوميدية، وغلب الحوار الطويل على كل شيء، فكان الفيلم محشوا بـ”رغي” غير ذي هدف أو منطق.
ولأن التعبير عن الكوميديا بصريا هو عمل خارق من وجهة نظري ويحتاج إلى فهم واستيعاب واضح لتلك النوعية من الدراما، التي تمتزج فيها العلاقات الاجتماعية بالكوميديا، ولم تبذل أي مجهود لإعادة بناء الشخصيات وتحديد تفاعلاتها مع بعضها، حتى لا أجد نفسي كمشاهد غير مستوعب لطبيعة كل تلك العلاقات وأحاول استنتاجها طوال مدة الفيلم، وضحكتي لا تخرج سوى على تهلهل العمل الذي لا يملك أي ميزة سوى تقديم ممثلة جيدة هي أسماء جلال، فهي الوحيدة التي قدم السيناريو مبررا واضحا لكل أفعالها وتفاعلاتها مع عائلتها، واستطاعت هي أن تمسك بتلابيب تلك الشخصية وتخرج بها من مأزق التيه الذي عانت منه باقي شخصيات العمل.
أيتن أمين حاولت أن تخرج من قالب أفلام “آرت هاوس”، لكي تقدم نفسها كمخرجة لأفلام تجارية، لكنها صنعت عملا مفككا، أهملت أو استسهلت أول عنصر فيه وهو بناء الشخصيات، ومن ثم انساب ذلك الإهمال على كل العمل، فلن يملك أي فرصة للخروج بإيرادات جيدة في الشباك، وأظنه لن يحصل على أي تقدير نقدي.