أسامة أنور عكاشة.. كان في الأصل حلواني
كيرلس داوود
أنا السؤال والجواب.. أنا مفتاح السر وحل اللغز أنا أسامة أنور عكاشة
في جلسة صداقة حميمية في منزل صديقي العزيز رامي المتولي جمعتنا بصديقنا الثالث مصطفى الكيلاني أثناء عرض حلقة من حلقات مسلسل الشهد والدموع، تجاذبنا أطراف الحديث عن السيناريست الذي أعتبره الأهم في تاريخ التليفزيون المصري.. أسامة أنور عكاشة.
الأستاذ.. هو اللقب الذي أحب أن أطلقه دائما في الحديث عن هذا السيناريست العظيم والذي عاش حياته بمدينة الإسكندرية والذي ترك عالمنا عام 2010 تاركا لنا إرث من المتعة والشخصيات التي صاغها بيديه والجمل الحوارية الخالدة التي عجز بعدها الكثيرون في صياغة ما هو أقل منها بكثير.
الحديث عن أسامة أنور عكاشة قد يتكلف العديد والعديد من المقالات وسنحاول في هذا المقال فقط وضع رسم تأملي لمجتمع عكاشة ووصف من أحبهم وأحبوه.
تحت نفس الشمس فوق نفس التراب كلنا بنجري ورا نفس السراب
كلنا من أم واحدة. أب واحد.. دم واحد.. بس حاسين باغتراب. تلك الكلمات التي كتبها الشاعر الكبير سيد حجاب لختم مسلسل “الشهد والدموع”، التي تلائم الكثير من أعمال عكاشة، الذي عاش ومات يبحث عن الهوية الحقيقية أو الوجه الحقيقي للمحروسة، وللمجتمع المصري الثري جدا في تنوعه وتباين شخصياته، وكيف يذوب كل هؤلاء في بوتقة واحدة تسمي المجتمع المصري، ويشكلون ما يسمى بشخصية مصر أو بالهوية المصرية.
تأثر أسامة أنور عكاشة جداً، بل ولع بالبيوت الشرقية بمختلف طبقاتها وبمختلف أماكن تواجدها، ورسم الفروق الطفيفة التي بينها بإبداعٍ حقيقي، فتاجر التموين الصعيدي الأصل في مسلسل زيزينيا “عامر عبد الظاهر”، يتشابه إلى حد بعيد مع تاجر الحلويات الصعيدي الأصل أيضاً في مسلسل الشهد والدموع “الحاج رضوان”.
والمرأة القوية التي خرجت من الأحياء الشعبية وربت أبناءها بكفاح بعد موت والدهم في زيزينيا “نعيمة مرسال” لا تختلف كثيراً عن “زينب” في الشهد والدموع، ففكرة المجتمع لدي عكاشة سابقة على فكرة الفرد، بل والمجتمع سابق في وجوده على وجود الأفراد.
الشر شرق وغرب داخل ف حوشنا حوشوا لا ريح شاردة تقشقش عشوشنا
رسم أسامة أنور عكاشة المجتمع الشرقي الذي عاصره قبل الثورة المعلوماتية العظيمة التي حدثت بعد بداية الألفية الثالثة كأن لم يحب أحد الشرق قبل عكاشة.
فقد عشق الشخصيات التي يكتبها –حتى الأشرار منهم–، وضع عكاشة مبرراً درامياً مقبولاً لـ”حافظ رضوان” في الشهد والدموع، ويكن “مصطفي بجاتو” أحد شياطين الإنس في زيزينيا، ولم يكن بمقدورك كمشاهد كراهية ” فضة المعداوي” في الراية البيضاء.
تحدث أسامة أنور عكاشة عن كل مجتمع من مجتمعاته التي رسمها داخل ملحماته التاريخية، وأتي بأزمات درامية تعبر عن هؤلاء الذين عاش في وسطهم وأحبهم وأحبوه ” شعب مصر “، كان كغالبيتهم في القرن العشرين، طيبون كرماء ميالين للبساطة وحب الغير بخاصة الغرباء، وإن تحدثوا في المحظورات كان على مضض، وتحلوا بخجل يشبه طبيعتهم الطيبة التي توارثوها عبر الأجيال منذ آلاف السنين.
ولفين ياخدنا الحنين.. لواحة الحيرانين
حنين المصريين إلى الزمن الذي صوره عكاشة في التسعينيات والثمانينيات بعد بزوغ موجات من الانفتاح على العالم الغربي والتي مهدت لها الثورة المعلوماتية التي حدثت في العالم، جعلتهم يرون مسلسلات عكاشة بعين صافية، وكأنهم يبكون ماضيهم ونفوسهم التي تغيرت بفعل عوامل الانفتاح، وأخذت كثيراً من البراءة التي كانوا يتمتعون بها في سالف العصر، وحلت ثقافة التيك أواي لتهدم كل قيم البيت الشرقي القديم والذي رأوه في أعمال عكاشة بالكامل.
أعمال أسامة أنور عكاشة بحق هي إرث يساوي في قيمته الآثار الفرعونية والإسلامية والمسيحية، فهو تسجيل حي لمجتمع بالكامل من لحم ودم صاغه في شكل شخصيات درامية شأنه شأن لوح الكانافا المرسوم عليها أسواق القاهرة الفاطمية.