أسطورة الفتى الذهبي ما بين محسن محيي الدين ومهرجان الجونة
جيلان صلاح
ممثل يعصر روحه فيصدق خيال جنه ويبقى الوهم جواه غول يفرفط دمعه من عينه
أمس، نشر ممثل شاب واعد اسمه عمر رزيق فيديو له يرقص في مهرجان الجونة مستلهماً روح عُكة/محسن محيي الدين من فيلم “اليوم السادس” في استعراض حدوتة حتتنا، تحديداً الجزء الذي يستلهم فيه محسن روح جين كيلي بدوره، ولشدة إعجابي بالفيديو العفوي المعبر عن عشق غامر للسينما قلما استشعرته في طرق تعبير الممثلين عن أنفسهم هذه الأيام، أعدت مشاهدة فيلم “اليوم السادس” وأنا أتساءل عن هذا الفتى الذهبي محسن محيي الدين، ممثل وراقص ومطرب. هل يمكن إعادة اكتشافه من جديد؟
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=3019069848381672&id=100008360588053
لن يحتاج الأمر مجرد ممثل متعدد المواهب ولكن منظومة كمنظومة يوسف شاهين، معدة جيداً لتلقي مثل هذه المواهب وتنقيحها وتدريبها لتخرج أفضل ما فيها؟ إذاً فنحن سنحتاج أيضاً لمخرج يهتم بإعداد الممثل، وتلقيه، وتدريبه من خلال بروفات مكثفة ودروس في اللغة والتمثيل والرقص.
في حالة محسن محيي الدين، فالفتي الذهبي أو ملك الديسكو كما كان يُطلق عليه قد مثّل حالة فريدة في النجم المصري، فهو لم يكن الفتى الرقيق الناعس كعمر الشريف في بداياته أو عبد الحليم في دزينة أفلامه الرومانسية، ولا البطل القوي مفتول العضلات كنجوم الحركة من حقبة التسعينات وحتى الآن، ولا نموذج الرجل المثير الذي تعشقه النساء كرشدي أباظة في الماضي وآسر ياسين حالياً. محسن كان ممثلاً يحلق خارج السرب، يحلق فوق سماء الفن بالضبط كمعلمه وأبيه الروحي يوسف شاهين. هو النموذج المثالي لمخرج يحلم بصناعة نجم على غرار استوديوهات هوليوود في الأربعينات والخمسينات، يذكرنا بجين كيلي وجودي جارلاند لكننا قد لا نرى نماذج تشبهه في السينما المصرية إلا في حالة الممثلات كشريهان ونعيمة عاكف على سبيل المثال ومن الجيل الحالي نيللي كريم التي لم يكن أحد يتوقع لها كل النجاح في الدراما بقدر نجاحها في الأدوار الخفيفة والاستعراضات في بدايتها. كلتا الممثلتان المذكورتان تعشقان الرقص والتمثيل، وتخرجان من العواطف الجياشة الأميل للميلودراما بقدر ما تطوعان جسديهما للرقص والتعبير عن الحالة في رقصة أو استعراض. هكذا كان محسن، وهكذا رأى يوسف شاهين مشروع محسن محيي الدين السينمائي قبل أن ينتهي بسرعة.
لم تكمن براعة محسن في أداءه الحركي فقط، لكن موهبته التمثيلية ارتكزت على هشاشته الداخلية، وقدرته على التفاعل بالجسد مع مشاعر تتطلبها الشخصيات بعيداً حتى عن مشاهد الرقص، فعُكّة القرداتي في “اليوم السادس” يحتاج لأداء يتناسب ومهنته وشخصيته المنفتحة المولعة بالسينما والنساء والتي تعتمد على الحركة بشكل كبيرة بسبب عِشرة القرود فترة طويلة، ويحيى في “إسكندرية ليه” هو الفتى في مرحلة النضوج، المراهق الحائر بحثاً عن الذات والحب في إسكندرية الحرب العالمية الثانية، وعلي في “الوداع يا بونابرت” شاب في قلب حرب ليست فقط بين بلاد متناحرة على أرض مصر ولكن حرب ثقافية وشعورية بين ما يتعلق به قلبه وما يحمله من حب للوطن.
كل هذا استطاع محسن تجسيده مطوعاً جسد الراقص والمشاعر التي أتقن جيداً التعبير عنها بجسده، فاستطاع أن يحول هذا الجسد لأداة طيعة في يد المخرج، يظهر من خلاله اختلاف الشخصيات ما بين واحد وآخر من خلال طريقة المشي والكلام والنظرات وحتى وضع الجلوس أو الغزل. هذا الممثل الذهبي والذي رأى فيه يوسف شاهين ما لم يستطع مخرج غيره أن يراه هو نتاج مدرسة كاملة لإعداد وتحضير ممثل يستطيع في لحظة أن يغني أو يرقص أو يصرخ أو يبكي، مستخدماً أدواته الكثيرة المستمدة من إتقانه العديد من الفنون.
يرجع الأمر أيضاً للتربية الفنية، فمحسن نشأ في الإذاعة، وقضى أوقاتاً يرقص ويتسابق في مسابقات الرقص حتى أُطلق عليه ملك الديسكو، كثيراً ما كانت يشترك أيضاً مع شريهان في هذه المسابقات ويفوزان باكتساح، نيللي كريم كانت ابنة معهد الباليه المخلصة، وشريهان كانت ترقص من طفولتها كما درست جميع أنواع الرقص لتتقنه وتصبح لديها هذه الخلفية الجسدية التراكمية التي تمكنها من تطويع أدواتها التمثيلية في الأدوار المختلفة. فماذا عن حال الممثلين الآن؟
دائماً ما نفتقد نموذج الممثل الشامل، ونحتاجه لإضفاء نكهة مختلفة أو صورة مغايرة للنجم على الشاشة، فحتى نوعية الأدوار التي قدمها محسن محيي الدين لم يكن من الممكن أن يقدمها غيره، ولا حتى يقبلها النجوم الذكور في وقته، والآن اختفى هذا النموذج تماماً، ومع اختفاء نادين وتغير نوع أدوار نيللي كريم قد لا نجده حتى في النجمات الحاليات. لكنني ومع مشاهدة فيديو عمر رزيق -وهو خريج معهد الباليه بالمناسبة وينتمي لعائلة فنية- شعرت ببارقة أمل، هناك ممثل شاب واعد قد يأتي بما اختفى تحت أطنان الغبار، الموهبة المضيئة، اللامعة تحت أضواء الفن بكل ألوانه وأشكاله، البطل المرتقب للفيلم المصري الاستعراضي أو الاستعراض داخل منظومة الفيلم بصورة لا تبدو غريبة أو دخيلة عليه.
بعد إعادة مشاهدة أفلام السيرة الذاتية ليوسف شاهين، وجدتني أنبهر بالكيفية التي يدمج بها الأغنية بالحدوتة، والرقصة بالماسترسين بحيث لا تنفصل ولا تنشز، وجدتني أتتبع الفنانين الذين استطاعوا التعبير تماماً عما يريد الصانع -شاهين- لإيصال رؤيته، وفي كل لمحة كنت أرى طيف محسن الملهم الأول، أو يسرا الملهمة الثانية. وتساءلت ترى هل يمكن أن يجد عمر رزيق طريقه للفن من نفس المدخل؟
من يدري فربما كما أشار الفن على محسن محيي الدين يوماً ما ولُقب على يد أستاذه “أحسن ممثل في العالم”، ستُسلط أضواء مهرجان الجونة بكل عالمه الساحر والمغري لأي فنان على عمر لتخبرنا بأن A Star is Born.