إذا كنت تظن أن الأفلام الهندية مفهومة لكل الهنود.. صحح معلوماتك
مروة دسوقي
بوليوود – موليوود – كوليوود – توليوود.. جوليوود.. إلخ.. ليست شيئًا واحدًا، وإنما هي أحاجي مُختلفة تُشكل صناعة السينما في الهند، الصناعة صاحبة أكبر شعبية بين كل “الفنــــــون” التي يتعبد بها العالم الهندوسي في الأساس ثم تدر للبلاد ربحًا عاليًا، تليها الموسيقى.
وبينما تطور سرد الملاحم “الڤيدية” من الكتب المُقدسة الهندوسية إلى التجسيد والتمثيل على مدار التاريخ في الاحتفالات والمهرجانات الدينية والعروض المسرحية المُتنقلة.. إلخ.. انتقل شيئًا فشيء إلى شاشات السينما -حين بدأ عصر السينما- أحيانًا بتجسيد ونقل الملحمة ككل، وأحيانًا عند لحظة الخطر ومشهد الذروة فنجد الشاب الهزيل الأسمر قد تحول إلى بطل أسطوري يقضي على الأشرار بقبضة يده. (لأنه ببساطة شديدة أصبح تجسدًا لأحد الآلهة، وقد أتى لينتصر الخير على الشر “هذا جوهر المُعتقد الهندوسي”).
السينما الهندية
تضم صناعة السينما الهندية كل الأفلام التي تنتجها الهند بجميع اللغات -ويقدر عددها بحوالي ألفين فيلم سنويًا-، وبينما تعتمد الهند 22 لغة رسمية وحوالي أكثر من ألف لهجة محلية نجد أنه من المستحيل عمليًا لشخص واحد الإلمام بكل هذا المخزون المعرفي، لذا تنقسم السينما الهندية في الواقع على أساس اللغة. (مع التنويه على أن الهند هي أكبر دولة من حيث عدد السكان بداية من عام 2023 أي أنها تتعامل مع قاعدة جماهيرية رهيبة).
وتُعد مومباي وحيدر آباد وكولكاتا وتشيناي وكوتشي وبنغالور وبوبانسوار وجواهاتي إلخ.. أهم المراكز الرئيسية لإنتاج الأفلام في الهند، وعليه اتخذ كل مركز من هذه المراكز لقبًا عالميًا -مُستلهمًا في الغالب من لقب صناعة الأفلام في الولايات المتحدة الأمريكية “هوليوود”- ليُميز به صناعته وطابعه الخاص ونجومه.. إلخ..
ونجد أن:
صناعة السينما في مومباي “عاصمة ولاية ماهاراشترا” الناطقة باللغتين الهندية والأُردية قد أصبحت “بوليوود” وهي الأشهر عالميًا، والأكبر والأنجح على مستوى الصناعة في الهند، والأكثر تحقيقًا للإيرادات.
صناعة السينما في حيدر آباد “عاصمة ولاية تيلانجانا/أندرا براديش” الناطقة بلغة التيلجو قد أصبحت “توليوود”.
صناعة السينما في كولكاتا “عاصمة ولاية البنغال الغربي” الناطقة باللغة البنغالية قد أصبحت “توليوود” أيضًا نسبة إلى استديوهات “توليجونجي”، وبهذا فهي تتشارك اللقب مع صناعة السينما في حيدر آباد، لكنها تختلف عنها كل الاختلاف.
ونظرًا لأن كلكتا “كولكاتا حاليًا” كانت عاصمة الهند القديمة حتى عام 1911 العاصمة الثقافية للهند ومركز حركة الاستقلال الهندي.. إلخ.. فهذا الشيء لم ينتقص منها على الإطلاق، بل هي أصلًا لا تحتاجه لأنها مهد الأدب البنغالي الذي يثري الحياة الثقافية للهند كلها. ويكفي أشهر الأعمال السينمائية أن يُشار إليها بأنها “مُقتبسة عن نص بنغالي قديم”.
صناعة السينما في تشيناي “عاصمة ولاية تاميل نادو” الناطقة باللغة التاميلية قد أصبحت “كوليوود”.
صناعة السينما في كوتشي “مدينة في ولاية كيرالا” الناطقة باللغة المالايالامية قد أصبحت “موليوود”.
صناعة السينما في بنغالور “عاصمة ولاية كارناتاكا” الناطقة بلغة الكانادا قد أصبحت “ساندوليوود”.
وصناعة السينما في بوبانسوار “عاصمة ولاية أوريسا” الناطقة باللغة الأودية قد أصبحت “أوليوود”.
أما السينما في جواهاتي “مدينة في ولاية آسام” الناطقة باللغة الآسامية قد أصبحت “جوليوود”..
وهكذا.
وباستمرار النجاحات مع بيع مليارات التذاكر سنويًا وتحصيل مليارات الروبيات سنويًا، أصبحت السينما الهندية مؤسسة عالمية، عابرة للحدود، تحظى أفلامها بالمُتابعة والإشادة في كل دول جنوب آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط وشرق إفريقيا والصين، ودول أخرى كثيرة يُقدر عددها إجمالًا بأكثر من تسعين دولة.
وتتمايز الإيرادات العالمية وفقًا لقاعدة الجمهور، هل هو جمهور محلي خالص (مثال مصر) أم جمهور محلي مُضافًا إليه ملايين الهنود المُقيمين (مثال الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية)، حيث من الطبيعي أن ترتفع الإيرادات في البلدان التي تضم ملايين الهنود أكثر بكثير من البلدان التي تعتمد على الجمهور المحلي فقط.
تاريخ السينما الهندية
يمتد تاريخ السينما في الهند إلى بداية عصر السينما في أواخر القرن التاسع عشر، حيث حقبة الأفلام الصامتة ثم حقبة الأفلام الناطقة (نسخة الأبيض والأسود) ثم حقبة الأفلام الناطقة (نسخة الألوان).
وهكذا واكبت التطور باستمرار في كل زمن. لكن ما يهمنا دائمًا عند الرجوع لتاريخ السينما الهندية هو الوقوف عند اسم “داداساهيب ڤالكي” أب السينما الهندية، حيث البداية الفعلية لكل شيء. فقد كان كاتبًا ومُخرجًا وباحثًا في علوم اللغات والثقافة وعمل في الصناعة منذ حقبة الأفلام الصامتة، لكنه لم يقع في فخ الوله بالمُستعمر الإنجليزي وإنما عكف على اختراع شيء من العدم.
شيء يُسمى في عالم اليوم بــ “السينما الهندية”. وبدأ حين بدأ بتوظيف العناصر السنسكريتية في الأفلام الهندية من خطوته الأولى/فيلمه الأول، وتبعه الجميع حتى الآن.
“المفهوم” بالمعنى اللغوي و”المفهوم” بالمعنى الثقافي
لذا “وبعد هذا السرد المُختصر” ينبغي ألا تظن أن الأفلام الهندية مفهومة “من حيث اللغة” لكل الهنود، وعليه تتساوى أنت والهندي -في معظم الأحيان- عند مشاهدة الأفلام الهندية المُترجمة.
الفارق الوحيد هو أنه يفهم رمزية الميثولوجي الهندوسي في الأفلام الهندية بينما تعتبرها أنت خزعبلات. فعندما يظهر البطل “مثلًا” في صورة خارقة ويقضي على الأشرار بقبضة يده، هذا حتما ليس البطل، وإنما هو (أڤاتار)، قد يكون أڤاتار شِري رام أو شِري كريشنا أو حضرة غوتاما بودا .. إلخ..
(رام هو الأڤاتار السابع للورد ڤيشنو/ له ملحمة خاصة تسمى الرامايانا -كريشنا هو الأڤاتار الثامن للورد فيشنو/ له ملحمة خاصة تسمى المهابهاراتا- بودا هو الأڤاتار التاسع للورد فيشنو/ ليس له ملاحم خاصة ويُنظر له باعتباره مُهرطق لأنه لم يعترف بوجود كائن أعلى والهندوسية في الأساس تقوم على تعدد الآلهة).
هل رأيت فيلمًا مصريًا يستخدم عين حورس -مثلًا- في إحدى مشاهده كدلالة على لحظة انكشاف الحقيقة أو الرؤية لمن يعاني مشاكلًا في الإبصار أو لمن تغول على الخلق ثم انكسر وتاب وبدأ يبحث عن الحقيقة وعن ذاته؟!
عندما يحدث هذا ستفهم.