نقد

الأفلام المبنية على مضمون جنسي بين العجز والشذوذ والبرود (2-2)

عمرو شاهين

فيلم "دنيا" من تأليف وإخراج جوسلين صعب، وبطولة حنان ترك ومحمد منير وفتحي عبد الوهاب، ربما هو أحد أكثر الأفلام إثارة للجدل في الألفية الثانية، بعدما تعرض لحملات شديدة حاولت منعه وحجبه من دور العرض، بل إنه حينما عرض تم تهميشه بقوة، ورفعه من دور العرض سريعا، ولم يأخذ الاهتمام الكافي وقت عرضه، ولكن تم تداوله على الإنترنت بكثافة فأصبح من الأفلام المعروفة.
الفيلم الذي فتح النار على ظاهرة "ختان الإناث" بقوة، وآثاره الممتدة بعد ذلك، ويدور حول "دنيا" التي تدرس شعر الغزل مع مدرسها بشير المصري، ولكنها على صعيد آخر تعاني من حياة زوجية متوترة، فبين اتهام زوجها لها بالبرود نتيجة تأففها من فكرة الجنس، وابتعادها عنه بسبب الختان ثم إنجذابها لعلاقة مع أستاذها بشير.
الفيلم جاء متميز على صعيد الصورة وطرح الفكرة والتناول الموسيقي والتمثيل، بينما وقع السيناريو في عدد من المشكلات ربما كان أبرزها غياب التبريرات الكافية لقيام العلاقة بين بشير ودنيا من تبريرات منطقية ونفسية ودوافع، إضافة إلى ضعف في رسم الشخصيات الثانوية وتفصيلاتها، وهو ما أثر سلبا على الفيلم بشكل عام، أما مناقشته للفكرة فجاءت مناقشة موضوعية للغاية في إطار إنساني، حاولت جوسلين أن تغلفه بحالة من صوفيه شعر الغزل العربي القديم، وربما كان هذا من عوامل الجذب الهامة للفيلم.
الشذوذ والخروج عن المألوف
من مشاكل الجنس التي ناقشتها السينما المصرية هي الشذوذ، سواء بمعناه الدارج وهو الانجذاب لنفس الجنس، أو بمعناه المتكامل وهو أي خروج عن المألوف والمتعارف عليه في العلاقات الجنسية، ويمكن اعتبار صلاح أبوسيف هو أول من ألمح لمسألة الشذوذ، خاصة الشذوذ بين النساء في فيلم "الطريق المسدود" لفاتن حمامة، ولكنه كان تلميح مستتر رغم جرأته وقتها، ولكن يمكن أن الحديث بشكل مباشر عن الشذوذ كان في أحد الخطوط الدرامية في فيلم صلاح أبوسيف "حمام الملاطيلي"، ولكن تلك المشكلة لم تثار بجرأة أو مباشرة إلا في الأعوام الأخيرة.
أسرار عائلية
في عام 2013 قدم المخرج هاني فوزي فيلمه "أسرار عائلية" تأليف محمد عبدالقادر وبطولة نخبة من الوجوه الجديدة، الفيلم تناول فكرة الشذوذ الجنسي عند الرجال ويدور حول شاب مثلي الجنس في اسرة متوسطة، ونظرة المجتمع له وصراعه الداخلي بين ميوله وقواعد المجتمع والاديان.
ربما ليست كل ضجة تصب في مصلحة الفيلم، فكانت الضجة التي أثيرت حول الفيلم – في رأيي- أحد اسباب تهميشه، رغم جراته في طرح الفكرة، وهي جرأة تحسب لصناعه، خاصة أن الفيلم للمخرج والسيناريست هاني فوزي، وهو أحد السينمائيين المعروفين بجراتهم الشديدة وقدرتهم على اقتحام المناطق الشائكة في المجتمع.
بنت من دار السلام
نوع أخر من الشذوذ قدمه فيلم "بنت من دار السلام" الذي عرض في 2014، تأليف وإخراج طوني نبيه وبطولة رندا البحيري ورحاب الجمل، يتناول قصة فتاة تخرج من حي دار السلام ويتزوجها رجل يميل للعنف والسادية والتعذيب في الجنس، ويقيم علاقة مع أخرى تتلذذ بالتعذيب حتى تتحقق له المتعة التي يتمناها، وتتطور علاقته بزوجته لدرجة أنه يحاول قتلها.
الفيلم جاء صادما للغاية خاصة في مشاهد التعذيب، وهو ما رفضه جمهور السينما شكلا ومضمونا، وربما كان طوني نبيه غير موفق إطلاقا في طريقة طرحة لفكرة السادية في الجنس، من حيث السطحية التي تعامل بها مع الفكرة، دون محاولات الغوص داخل المشكلة وطرح أسبابها من وجهة نظره، فكان هو الآخر حكما على شخصيته وفكرته، قبل أن يكون مقدما لها وهذا ما قتل الفيلم وفكرته.
بدون رقابة
وكالعادة في السنوات الأخيرة حينما يتطرق فيلم للعلاقات الجنسية فإنها يصاحب بضجة ضخمة تؤثر على مصيره في دور العرض، وكانت الضجة عام 2009 من نصيب فيلم "بدون رقابة"، الذي تناول فكرة الجنس بأكثر من منظور، ربما كان أكثرها تماسكاً خط الفتاة الشاذة جنسيا الذي قدمته علا غانم.
الفيلم تأليف أمين جمال وأكرم البرديسي وإخراج هاني جرجس فوزي وبطولة علا غانم وراندا البحيري وريم هلال ومروة عبدالمنعم وأحمد راتب وعايدة عبدالعزيز وآخرين.
ولكن في السنوات الأخيرة أصبح من المسلم به ان يثقل الابتذال اي فيلم يناقش الجنس أو العلاقات، وهي الآفة الكبرى التي أصابت كل تلك الأفلام، فعين صناع الفيلم على شباك التذاكر أكثر من تقديم فكرتهم بطرح سينمائي جيد، فخرج مبتذلا للغاية وهو ما وأد الفكرة في مهدها.
حمام الملاطيلي
بلا منازع يمكن اعتبار فيلم "حمام الملاطيلي" هو الفيلم الأكثر إتقانا وحرفية والأفضل في مناقشة فكرة الشذوذ، الفيلم الذي قدمه صلاح أبوسيف عام 1973 عن قصة إسماعيل ولي الدين وسيناريو وحوار محسن زايد، وتدور احداثه حول أحمد القادم الى القاهرة للدراسة، ويبحث عن عمل بجانبها، فيقع في حب فتاة ليل تحبه وتأمل أن يخرجها من حياتها البائسة، بينما يتعرض لإغراءات من رجل شاذ يتردد على الحمام الذي يقيم فيه ويعمل به، وتغويه زوجة صاحب الحمام هي الأخرى ليجد نفسه في مثلث جنسي محكم.
الفيلم على الرغم من ضعفه مقارنة بأفلام صلاح أبوسيف الأخرى، إلا أنه قدم شخصية الشاذ جنسيا بشكل محايد تماما، فلم يدن السلوك بقدر ما أدان الحالة العامة من الشهوانية والتحلل التي تحكم المجتمع بكل صورها، بل أيضا جاهد محسن زايد في رسم شخصية الشاذ بشكل جيد كي تخرج مقنعة وبعيدة عن الابتذال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى