التسويق السينمائى.. خطة “عدم اليقين”
شروق الشناوي
ارتبط التسويق ارتباطاً وثيقاً بصناعة السينما منذ ظهورها عام 1895، فمع أول عرض سينمائى في باريس، ظهر أول شكل للدعاية السينمائية، في شكل بوستر دعائي صممه هنري بريسبوت، للإعلان عن ميلاد سينماتوغراف لوميير.
ثم تطورت صناعة السينما، ولم تعد صناعة قليلة التكلفة لا تهدف الى الربح، زادت تكاليف الإنتاج، وأقبلت العديد من الشركات على تجربة العمل في الصناعة الجديدة سعياً للأرباح، وصارت السينما صناعة وفناً وأيديولوجيا تتحكم فيها رؤوس الأموال.
ومع تطور صناعة السينما تطورت ايضا الادوات التسويقية والدعائية للأفلام، فظهر أول فيديو ترويجي عام 1912 في السينمات الأمريكية، واعتمدت هوليوود منذ ثلاثينات القرن الماضي، تقنيات أبحاث السوق لدراسة وتتبع رغبات وميول المشاهدين بالسوق السينمائية، ولقياس شعبية الافلام المنتجة وقيمة العلامات التجارية لشركات الانتاج، كما استخدمت أبحاث السوق لقياس شعبية نجوم هوليوود وتحديد نوعية الافلام المفضلة للمشاهدين.
وتطورت أشكال الدعاية فيما بعد، مابين البوسترات الدعائية واللوحات الاعلانية الكبيرة في الشوارع والفيديوهات الترويجية، المؤتمرات الصحفية لصناع العمل وربما ايضا بيع منتجات متعلقة بالفيلم ومؤخرا التسويق الرقمى بكل أنواعه كالسوشيال ميديا والمواقع الالكترونية.
نقطة تحول
أما عن نقطة التحول الأكبر في تاريخ التسويق السينمائى فكانت الحملة الدعائية التي أطلقتها ستوديوهات يونيفرسال لفيلم الفك المفترس عام 1975، حيث كانت الحملة الأضخم والأكبر منذ بداية الصناعة والتي رسخت أهمية التسويق السينمائي للصناعة، وبدأت الحملة الترويجية لعام كامل قبل عرض الفيلم، الذي حقق رقماً قياسيا وباع 2 مليون تذكرة اسبوعيا محققا إجمالي ايرادات 192 مليون دولار.
فيلم حرب النجوم Star Wars عام 1977 الفيلم الذي أحدث ثورة في استراتيجيات التسويق السينمائي وغير مفهوم التسويق في صناعة السينما للأبد، يمثل الفيلم ظاهرة سنيمائية وتسويقية من نوع خاص، حيث اعتمدت الأفلام بشكل كلى في ذلك الوقت على أرباح التذاكر من دور العرض.
اعتمدت الشركة المنتجة استراتيجية تسويق جديدة لخلق أرباح من مصادر متعددة، قبل إصدار فيلم Star Wars الأصلي، أصدر Lucasfilms سلسلة من الكتب المصورة، وباع جورج لوكاس أيضًا حقوق بيع الألعاب إلى كينر مقابل رسم ثابت قدره 100000 دولار، وأصدروا سلعا تذكارية ومنتجات ومقتنيات خاصة بالفيلم، فحقق أرباحا خيالية وشهرة تاريخية وغير في مسار ثقافة الترفيه الى الأبد.
السينما فن وصناعة وتجارة وتسويق!
صناعة السينما ترتكز بشدة على مفاهيم إقتصاديات عدم اليقين، وذلك لصعوبة التنبؤ بنجاح الفيلم من عدمه، حتى لو أنفقت شركات الانتاج ميزانيات ضخمة على عمل فني جيد، لا يمكن أبدا أن تتأكد تمام التأكد من نجاح الفيلم في دور العرض وإقبال المشاهدين على مشاهدته، مثلما حدث في الفيلم الشهير Fight Club.
عام 2006 تم انتاج Fight Club بميزانية 63 مليون دولار، من بطولة النجمين الشهيرين براد بيت وإدوارد نورتون.
الفيلم حاز على إعجاب النقاد والجماهير وحقق شهرة واسعة على مستوى العالم ولكنه لم يحقق في بداية عرضه سوى 37 مليون دولار، مخالفاً كل التوقعات مخيباً لأمال صناعه، الذين تداركوا الخسائر لاحقا بتسويقه خارج الولايات المتحدة ومبيعات الدى في دي.
لذلك فإن عدم اليقين في صناعة السينما، يجعل مهمة تسويق الأفلام أكثر أهمية سواء كان الفيلم ذو ميزانية ضخمة او منخفض التكلفة، والتسويق ليس رفاهية يمكن الاستغناء عنها في صناعة الفيلم بل هو عنصراً أساسياً وربما العنصر الأهم.
فالسينما ليست فناً وابداعاُ فقط، بل صناعة متكاملة وتجارة وتسويق يحتاج الى تخطيط علمي احترافي، فعلى سبيل المثال صارت شركات الانتاج الامريكية تنفق 47 مليون دولار لإنتاج فيلم و31 مليون لتسويقه!
وفي عام 2010 أنفقت شركات الانتاج الامريكية ما يقارب 3.5 بليون دولار لتسويق افلامها عبر العالم.
يجب أن ندرك أن الفيلم منتج كغيره من المنتجات، يحتاج الى إستراتيجية تسويقية منظمة ومدروسة لكي يحقق الارباح المرجوة، ولكنه منتج ذو طبيعة خاصة، فهو ليس نتاج تخطيط اقتصادي مُحكم أو تجارب علمية دقيقة، وكل فيلم هو حالة فريدة من نوعها وتجربة إنسانية لن تتكرر حتى لو إعادة انتاجها، فهو نتاج فريد لإبداعات صانعيه ليستمتع بها المشاهدون في ظلمات دور العرض لساعتين من الزمن.
لذلك فإن التسويق السينمائي عملية ليست بسهلة، يجب أن تتم بعناية واحترافية شديدة، وعلى المسئول عن تسويق الفيلم أن يعلم الخطوات الأساسية، والادوات الفعالة التي سيستخدمها للترويج للفيلم، وأيضا عليه أن يُحدد بدقة متى يبدأ الترويج للفيلم، ويجب أن يتم تقييم المنافسة وتحديد الوقت الامثل للعرض وخطة التي تناسب الفيلم، وكأهمية جودة المحتوى المُنتج تأتى أهمية الحملة التسويقية للترويج له.