الحسد في الثقافة الشعبية الإماراتية
د. محمد حسن عبدالحافظ
يمثل "الحسد" أو "العين الشريرة" واحدًا من المعتقدات المشتركة لدى كل شعوب العالم، على اختلاف ثقافاتهم ودياناتهم. واقترن هذا المعتقد ببعض الممارسات الطقسية والرموز والتعبيرات التي بدت مع الحضارات القديمة، ولاتزال الجماعات الإنسانية تمارس الكثير منها إلى اليوم.
ويعرف الحسد بأنه الرغبات القوية في زوال النعمة والخير، ويكاد الاعتقاد الراسخ في "الحسد" يمثل المكون الرئيسي، ذا الطابع الغيبي، في تفسير الظواهر والعلاقات الاجتماعية. وتعد مشاعر الإنسان بالعجز وقلة الحيلة أمام العوائق والمشكلات التي تواجهه الباعث الأول في تفسير هذه الظواهر. ويشهد المجتمع الإماراتي عددًا كبيرًا من الممارسات الشعبية المأثورة بغرض الوقاية والحماية ودرء الشر الناتج عن الحسد والعين الحسودة.
وأكثر الحالات والمواقف التي تتطلب هذه الممارسات والعادات والطقوس هو ما تمر به المرأة في دورة حياتها، خاصة في حالات الزواج والحمل والإنجاب والرضاعة. ومن ذلك، منع الحامل من رؤية إنسان عرف عنه الحسد، وفي حالة وقوع هذا لا بد من إجراء ممارسات وقائية، مثل التكبير (الله أكبر) في وجه الحاسد. أو القول: "اعطوه الكوع الأعسم"؛ أي إشهار كوع الذراع الأيسر في عين الحسود للحماية من حرارة عينه.
ومن الممارسات التي تجري بعد زيارة شخصية عرفت عنها الحسد أو قوة العين أن يتم المسح على الوجه بالماء الموجود في إناء الغسول الذي وضع فيه الزائر – أو الزائرة – فنجان القهوة، أو غسل فيه يديه بعد تناول الطعام. وفي حالة زيارة امرأة لبيت امرأة حامل، تؤخذ نواة التمر الذي أكلته الزائرة، وتحرق تحت الحامل في المبخر. ومن الطقوس اللافتة أن يجمع التراب الذي خطت عليه الزائرة سبع خطوات، ويمسح به جسم المرأة الحامل.
إن كثير من الأحداث الصعبة يتم تفسيرها بأنها ناتجة عن الحسد: مثل سقوط المولود، مرض المرأة الحامل، حمى النفاس، امتناع المولود عن الرضاعة، مرض المولود.. إلخ. وتجاه هذه الأحداث والحالات تقوم كثير من العادات والممارسات المأثورة، ومنها التدخين والتبخير بالـ "الشب" و"الخطف" والخطف هو مجموعة من الأعشاب، منها ما يسمى بـ "عين الشيطان".
كما يستخدم اللبان في التدخين في مناسبات خاصة؛ مثل تبخير المنازل يوم الخميس والجمعة، ولتبخير أسرّة الأطفال حديثي الولادة وتبخير أواني شرب الماء وتبخير المساكن الجديدة، كما تستخدم أعشاب طبية طبيعية لدرء الحسد والحماية من الشياطين، مثل "بعباع التيس" أو "الشريش" أو "الحواء" و"الحلبة" و"تركة صالح" (أو ما يسمى بـ"سركة صالح").
بعباع التيس
ومن الممارسات كذلك: رش الملح، وإخفاء موعد الولادة، وإخفاء المولود عن العين. وكتابة المطوعين للقامة والحرز والتميمة والقفل (إستعطوف في لهجة الإماراتيين)، ووضعها في أماكن متعددة من جسم الأم أو المولود أو المحسود عمومًا حسب كل حالة، أو غمسها في الماء وشربها. وكذلك قراءة القرآن في ماء مع أدعية وشربها. كما يمارس المجتمع الإماراتي طريقة "المحو"، وهو آيات تكتب بالزعفران، ثم تغمس في الماء ويشربها المحسود. وكذلك توضع سكين بالقرب من رأس الياهل (المولود حديث الولادة) أو تحت فراشه. ووضع الحصى فوق بطن المرأة المجهضة. وفي البيئة البدوية، تلبس المرأة جلد عنز مذبوحة للتو للحفاظ على بقاء الجنين.
وفي اللهجات الشعبية الإماراتية، المعيون أو المنظول هو المحسود، والعاين أو الناظل هو الشخص الحاسد. كما تنطق "فطنة" للدلالة على العين والحسد.
ومن الأمثال الشعبية الإماراتية التي تتناول مجال الحسد: حسدوا الفقير على موتة الجمعة. اخطف على الحساد ولا تخطف على العيان.
*محمد حسن عبدالحافظ
رئيس قسم الدراسات والبحوث بمركز التراث العربي- الشارقة