العذراء والموت.. عدالة انتقالية أم انتقام الضحايا
سمو حسام الدين
حين يغوص المجتمع في ثنائية الضحية والجلاد ماذا نفعل؟ هل من الممكن أن يجد التسامح طريقاً إلى هذه المجتمعات؟ وكيف؟ وهل هناك احتمال لانقلاب الأدوار فتتحول الضحية جلاداً، والجلاد ضحية؟
عن نص الكاتب التشيلي “آربيل دورفمان” وإخراج سماء إبراهيم. عرضت مسرحية «العذراء والموت» على مسرح الفلكي بالجامعة الأمريكية في التحرير يومي 22و23 أكتوبر. بطولة سماء إبراهيم وإيهاب محفوظ ويوسف المنصور وإخراج سماء إبراهيم.
وقد سبق أن قدم هذا العرض عام 2019 في مهرجان المسرح القومي المصري، وعام 2021 على مسرح المعهد العالي للفنون المسرحية.
تُروى أحداث المسرحية في تشيلي بعد انهيار ديكتاتورية بينوشيه، حين بدأت تتكشف قصص المفقودين وأعمال التعذيب في السجون والمعتقلات. ومنهم “باولينا” بطلة المسرحية التي تعرضت للاغتصاب والتعذيب من قبل البوليس السري قبل 15 عاماً، حينما كانت طالبة في كلية الطب.
تجمعها الصدفة وجهاً إلى وجه بمن كان يشرف على تعذيبها واغتصابها في غرفة الاعتقال، لتتبدل الأدوار بين الضحية والجلاد.
من أهم نقاط قوة العرض هو الاختيار الجيد للنص الذي يتقاطع مع قضايا الشعوب العربية المسكوت عنها. وهو نصٌ تمَّ تناوله وتقديمه بأساليب مختلفة، وفي الكثير من البلدان العربية منها على سبيل المثال لا الحصر سوريا وفلسطين والعراق.
في العرض كنا أمام المسرح الواقعي، فأفعال اللبس والأكل والشرب والتمثيل خيارات الواقعية في الإخراج تتكأ على تقنيات ومهارة عالية لدى الممثلين.
وهذا الأسلوب الواقعي الذي تم تقديم “مسرحية العذراء والموت” من خلاله أبرزها كقصة إنسانية بعيداً عن البهرجة والصراخ والمبالغة في الأداء. فبرزت لنا ملامح الشخصيات من خلال حواراتها وأفعالها. بأسلوب أداء واقعي ساهم بإظهار عمق الموضوع فأخذت القضايا المطروحة حقها. وكان الانسجام في حالة الممثلين حاضراً، فقد تقاربوا في مستويات الأداء، إذ أقنعنا الممثل يوسف المنصور المؤدي لدور دكتور “ميراندا” وهي شخصية مركبة، أقنعنا ببراءته حين ادعى ذلك تماماً كما أقنعنا بأنه متهم ومجرم في مشاهد الاعتراف.
وكان للممثل إيهاب محفوظ حضوراً مميزاً يجاري زميله في سلاسة الأداء وصدق الانفعالات، ممثل لا يؤمن بالمبالغة، قادر على ضبط العواطف غير المرغوب بها سردياً. يتمتع بقدرات صوتية متميزة.
وأما “سماء ابراهيم” التي قدمت دور باولينا فقد أثبتت من جديد تمتعها بالحضور المسرحي الواعي بالأثر الواجب إيصاله للمتلقي، والتفهم العميق للشخصية، مع مهارة لافتة في إلقاء مونولوجات طويلة بسلاسة عفوية مقنعة وتقمص تام للشخصية، يظهر في الصوت المتهدج وتقلبات الحالة الانفعالية لممثلة متمكنة من أدواتها.
عرض غابت فيه الأغاني وحضرت الموسيقى حضوراً مدروساً.
أما الديكور فكان واقعياً لم يتجه للتجريد لكن حافظ على بساطته بالرغم من عدم استخدام كل الموجودات في العرض.
الإضاءة ساوت مابين نسبة النور والظلام على خشبة المسرح، بما يعكس ضبابية الحالة التي يتناولها السرد.
انتهى العرض وبقيت الأسئلة دون إجابات إذ أن العمل لم يقدم أجوبة على الأسئلة التي يحملها، بل قدم إعادة طرح للقضايا التي عبر عنها النص مرة تلو الأخرى بتنويعات متعددة.
لنخرج منه ونحن نتساءل:
في جرائم الشعوب ومآسيها.. من الرابح؟
المعذبون الأحياء من لهم وكيف يكملون حياتهم؟ هل يؤخذون بعين الاعتبار؟
وما مدى مصداقية مفهوم العدالة الانتقالية كسياسة مصالحة وطنية في معالجة معاناة الأفراد وقصصهم الشخصية؟
هل الجهود المؤسساتية لمحاكمة الجناة هي مجرد جهود دعائية؟
هل الانتقام أكثر فعالية إذا تم على يد الضحايا أنفسهم؟
يذكر أن مسرحية ” الموت والعذراء” قد ترجمت إلى العديد من لغات العالم، وتم استعارة حبكتها لتخاطب أوضاع التعذيب والاضطهاد في الكثير من البلدان، وتحولت عام 1994 إلى فيلم سينمائي من إخراج رومان بولانسكي.