الفيل الأزرق.. فشل التسويق المصري ونجاح النموذج الكوري
شروق الشناوي
عام 2014 شاهدت الفيل الأزرق للمرة الاولى في السينما، وقد أدهشتني التجربة وجرأة صانعيها في تقديم تجربة جديدة من نوعها على السينما المصرية، تجربة من السحر والهلاوس والاحلام والمغامرة، التي تحلى بها المخرج مروان حامد لتقديم عمل ربما لا يلاقى نجاحا ماديا او ربما يوصمه البعض بالجنون والمجازفة.
لم تكن تجربة الرعب الاولى في السينما المصرية بل سبقتها أفلام اخرى كالإنس والجن للنجم عادل امام والنجمة يسرا عام 1985، وجاءت تجربة الفيل الازرق شبه متكاملة جديدة مميزة جريئة مواكبة لتحركات وتوجهات السينما العالمية، مخرج بارع متفهم لعالم الفيلم وكأنه يعيش بداخله بالكامل، ممثلين على قدر كبير من التميز، امكانيات إنتاجية ليست كبيرة ولكن نجح المخرج في توظيفها بنجاح كبير، لرواية قد سبق ولاقت نجاحا جماهيريا بين الشباب.
حققت تلك المعادلة نجاحا كبيرا للفيلم في جزءه الأول، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها الصناعة في ذلك العام نجح الفيلم في كسر حاجز الـ31 مليون جنيه إيرادات، تجربة جريئة كللت بالنجاح لصانعيها، وانتصرت للأفكار الجريئة الجديدة محطمة قيود افكار السينما التقليدية التي عاشت فيها السينما المصرية لسنوات سابقة.
عام 2016 في دار عرض ما كنت اشاهد فيلما جديدا يتحدث عنه الجميع، box office blockbuster من نوع خاص، فيلما كوريا من نوع أفلام "الزومبي"، لاقى استحسان الجماهير ويتحدث عنه الجميع بأعجاب شديد وكأنه احد إنتاجات هوليوود الكبيرة، الفيلم إنتاج وتوزيع الشركة الكورية Next Entertainment world واخراج Yeon Sang-ho، الذى يقدم تجربته الاخراجية الأولى لفيلم طويل، بعد عدة أفلام قصيرة وأفلام تحريك، وتولى التوزيع الخارجي شركة Well Go USA Entertainment التي تولت توزيع أفلام ناجحة اخرى كفيلم the wailing
فيلم train to busan عرض في مايو 2016 في مهرجان كان، ثم بدأ عرضه في دور العرض الكورية في يوليو من نفس العام، وتوالى عرضه في ماليزيا وهونج كونج وسنغافورة، باع الفيلم داخل كوريا فقط 11 مليون تذكرة، وتربع على عرش الايرادات في عدة دول أخرى، عرض في 286 شاشة عرض في الولايات المتحدة الامريكية وكندا فقط، و301 شاشة عرض في البرازيل، و300 شاشة عرض في روسيا، وغيرها في تركيا وفى الكثير من الدول الاخرى محققا 98 مليون دولار بميزانية 8 مليون دولار فقط ويعد من أعلى الأفلام الكورية تحقيقا للإيرادات.
انطباعاتي الاولى عن الفيلم كانت مختلطة، فيلم عادى من نوعية أفلام الزومبي التي لا أفضلها كأنواع أفلام الرعب الاخرى، ميزانية تبدو بسيطة أو متوسطة لا تقارن بأغلب أفلام الرعب الامريكية، أداء ممثلين جيد، مخرج عادى لم يقدم ابهارا، مؤثرات متوسطة المستوى، قصة مكررة لم تخلو من الجانب الإنساني والبصمة الكورية الدرامية المميزة للأفلام الكورية.
لم يلفت انتباهي الجانب الفني ولا المؤثرات البصرية للفيلم التي كانت من وجهة نظري متواضعة لا تتناسب مع النجاح المهول الذي حققه، بل أثار الفيلم في نفسى تساؤلات اخرى كيف نجح في حصد كل تلك الايرادات؟ كيف غزا دور العرض الامريكية والفرنسية والانجليزية وكل دور العرض في آسيا لشهور متتالية؟ كيف نجحت شركة الإنتاج الكورية في التسويق لذلك الفيلم؟ ثم صارت التجربة الاقتصادية للسينما الكورية شغفا شخصيا ودراسيا وبحثيا واثار الفيلم تساؤلا ملحاً لماذا لا نستطيع ان نفعل ما فعلته كوريا؟
أيختلف الفيلم الكوري train to busan عن فيلم الفيلم الازرق كثيرا حتى يستطيع تحقيق نجاحا عالمياً، ولا يستطيع فيلما مصريا يتفوق عليه فنيا ولا يقل عنه تقنيا ويقع في نفس فئة أفلام الرعب ضعيفة التكلفة مقارنة بالتكاليف العالمية للأفلام الامريكية؟
الاجابة على كل ما سبق هي كلمة واحدة " التسويق"، لا يختلف الفيلم المصري عن الفيلم الكوري سوى في القدرة على تسويقه، فنحن أجهل ما نكون بالتسويق السينمائي، والتجارب شاهدة على ذلك مائة وثلاثون عاما ويزيد من السينما، ولم تنجح صناعة السينما المصرية في تسويق أفلامها سوى داخل حدود الوطن العربي، لم تنجح أي من أفلامنا نجاحا يُذكر في العرض والتوزيع العالمي واقتناص الفرص التي تقتنصها صناعات اخرى كصناعة السينما المكسيكية والكورية وغيرها، والتي هي صناعات حديثة نسبيا مقارنة بعمر صناعة السينما المصرية.
لا شك ان الصناعة تمر بأزمات متتالية ومعوقات ليست بسهلة، ولكن اخطر ما يهدد صناعة السينما في مصر هو الجهل بأنها صناعة كغيرها من الصناعات، والفيلم منتج كغيره من المنتجات يحتاج الى تسويق جيد كي يحقق الايرادات التي يحلم بها الجميع، وربما يجب ان تكون تلك المشاكل التي يمر بها السوق المصري من ضعف الإنتاج وقلة الاقبال وضعف مبيعات التذاكر مقارنة بعدد السكان دافعا قويا لبدء البحث عن اسواق جديدة والتفكير خارج حدود التقليدية، وربما على صناع السينما اعتبار التسويق المدروس للفيلم احدى اساسيات الإنتاج التي لا غنى عنها، فلم يعد البحث عن اسواق جديدة في ظل ما تعانيه الصناعة رفاهية يمكن الاستغناء عنها بل باتت ضرورة ملحة.
ونعم نستطيع بكل تأكيد نعم نستطيع وفى التجربة الكورية خير مثال على ذلك، التسويق بمنظور مختلف ومحترف هو كلمة السر في صناعة السينما، وفى مثالي السابق عن فيلم الفيل الازرق كلى يقين ان تلك النوعية من الأفلام التي يدرك صانعيها تغيرات ولغة سوق السينما العالمية ويواكبون تطوراتها بتلك النوعية من الأفلام يمكننا يوما ما ان نحقق نجاحات خارج ذلك الصندوق الذي ضاق ولم يعد يتسع.