نقد

القضية الفلسطينية والسينما العربية

محمود الغيطاني

قرأت مقالا للكاتب منير عتيبة في مجلة عالم الكتاب، عدد يناير 2019م بعنوان: "القضية الفلسطينية والسينما.. سلاح آخر فاشل" يريد من خلاله الكاتب التأكيد على أن السينما العربية بالكامل فشلت أو قصرت في تناول القضية الفلسطينية، وهذا الكلام في حقيقته محض هراء، وإطلاق للكلام على عواهنه، ولعل ما يدهشني دهشة قصوى من هذا المقال هو الثقة واليقين المطلق اللذين ينطلق منهما الكاتب في حديثه، وكأنه بالفعل شاهد السينما العربية بالكامل ويفيدنا بخلاصة تجربته السينمائية وثقافته.

 

يقول الكاتب في مقاله بيقين مطلق، لا أدري من أين استمده: "إن نظرة عامة على قائمة الأفلام التي أنتجتها السينما العربية منذ عام 1948م وحتى الآن يجعلك تشعر بأن الأفلام التي اهتمت بالقضية الفلسطينية- التي هي القضية العربية والإسلامية الأولى على جدول الشعوب والحكومات- لا شيء"!!! أي أن الكاتب هنا يؤكد من خلال اطلاعه على السينما العربية بالكامل، كما ذهب، على أن تاريخ هذه السينما لم يهتم بالقضية؛ ومن ثم كان تاريخه صفرا، أو لا شيء،كما قال.

 

في موضع آخر من المقال، الذي لا يمكن وصفه سوى بالمقال التخريبي في الثقافة السينمائية، يقول الكاتب: "لا أكاد أحصي أكثر من عشرين فيلما تناولت القضية بشكل مباشر أو شبه مباشر، دون ذكر الأفلام التي يود فيها اسم فلسطين ويمر مر الكرام مثل معظم الأفلام التي أنتجت عن ثورة 23 يوليو 1952م في مصر مثل" رد قلبي"، و"الله معنا""!!

أي أن السينما العربية بالكامل لم تنتج منذ 1948م حتى اليوم عشرين فيلما يتناول القضية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

 

الحقيقة أن مثل هذا الحديث المتهافت، غير المستند على ثقافة سينمائية حقيقية، لا يعدو أن يكون مجرد ثرثرة على مقهى من المقاهي، أو ثرثرة في إحدى الحارات، وهو من الخطورة على الثقافة السينمائية؛ ما يجعل كل من يعمل على تكوين ثقافته وتنميتها الاعتقاد بأن ما ذهب إليه الكاتب بكل هذه الثقة المطلقة ليس إلا الحقيقة المجردة؛ الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى نشأة أجيال مشوهة ثقافيا تعتمد على المعلومات المغلوطة التي يكتبها الكتاب الذين لا ثقافة حقيقية لهم، لكنهم يحلو لهم الإدلاء بدلوهم فيما لا يعلمونه لمجرد أن يكون الواحد منهم هو الكاتب الذي يعرف في كل شيء، ومن الممكن له الإدلاء في أي شيء. 

 

كما أن خطورة مثل هذه الكتابة تأتي أيضا من معدي البرامج، وثقافة "التيك أواي"، وافتقاد الكثيرين للبحث خلف المعلومات التي يلقيها الكتاب هنا وهناك من دون احتراز؛ وبالتالي قد نرى أحد معدي البرامج أو الكتاب يأخذون من هذا المقال وما يشبهه ركيزة لهم يستندون عليه؛ فيضحى كلام المقاهي، ومجرد الثرثرة كحقيقة يقينية فيما بعد، وتندثر الحقائق الواقعية.

 

في نهاية المقال يسوق لنا الكاتب قائمة من 18 فيلما بالأفلام العربية التي تناولت القضية باعتبارها هي الأفلام التي تناولتها فقط، واستنادا على ما سبق أن أفتى به من أنه لا يكاد يحصي أكثر من عشرين فيلما عربيا فقط.

 

لكن يبدو أن الكاتب لم يسمع من قبل- لأنه لم يطلع على السينما العربية كما أوحى للقارئ حينما قال: إن نظرة عامة على قائمة الأفلام التي أنتجتها السينما العربية- نقول: إنه لم يسمع بالمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وكل أفلامه التي نذكر منها: "أيام طويلة في غزة" 1981م، و"الملجأ" 1989م، و"جواز سفر" 1986م وغيرها، ولا الفلسطيني إيليا سليمان وأفلامه: "الزمن الباقي" 2009م، و"سجل اختفاء" 1996م الذي كان أول أفلامه، و"يد إلهية"، والمخرج الفلسطيني ميشيل خليفي وفيلمه "نشيد الحجر" 1990م. 

 

والمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد وفيلمه "عمر" 2013م، و"الجنة الآن" 2005، وفيلم "المخدوعون" للمخرج المصري توفيق صالح الذي أنتجته المؤسسة العربية للسينما في سوريا، والمخرج المصري يسري نصر الله وفيلمه "باب الشمس" الذي كان من جزئين، والمخرج الفلسطيني إسكندر قبطي وفيلمه "عجمي" 2009م، والمخرج السوري محمد ملص وفيلمه "الليل" 1992م، و"أحلام المدينة" 1984م، والمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر وفيلمها "ملح هذا البحر" 2008م. 

 

والمخرج الفلسطيني غالب شعث وفيلمه "الظلال في الجانب الآخر" 1974م الذي كان من إنتاج المؤسسة المصرية العامة للسينما أيام إنتاج القطاع العام، والمخرج السوري مروان حداد وفيلمه "الاتجاه المعاكس" 1975م، والمخرج السوري سمير ذكري وفيلمه "حادثة النصف متر" 1981م. 

 

والمخرج السوري خالد حمادة وفيلمه "السكين" 1972م عن رواية "ما تبقى لكم" للروائي الفلسطيني غسان كنفاني، والمخرج اللبناني سيف الدين شوكت وفيلمه "عملية الساعة السادسة"، والمخرج المصري حلمي رفلة وفيلمه "الوفاء العظيم" 1974م، والمخرج العراقي قاسم حول وفيلمه "عائد إلى حيفا" 1981م، وغيرها الكثير من الأفلام.

 

فإذا كانت هذه الأفلام التي ذكرتها، خلافا لما ذكره من قائمة ال 18 فيلم، تتناول القضية بشكل مباشر ومن قلبها، وإذا كان قد قال: لا أكاد أحصي أكثر من عشرين فيلما تناولت القضية بشكل مباشر أو شبه مباشر؛ فهذا الكلام يعد تدليسا، وجهلا فجائعيا بالسينما العربية.

 

تكاد تكون السينما العربية قد تناولت ما يقرب من المئة فيلم عن القضية، فيما يقرب من 75 عاما، أي أكثر من فيلم في العام منذ هزيمة 1948م.

 

على الكاتب الراغب في الحديث والكتابة في مجال أن يلتزم بمجاله الذي يعرفه ويفهم فيه، وعليه الإفتاء فيما يعرفه، وأن يلتزم بالبحث والعمل على تثقيف نفسه؛ حتى لا ينقل جهله لغيره من الأجيال القادمة، وحتى لا يقدم صورة مغلوطة وملتبسة للثقافة ظنا منه إنه يقدم ثقافة ما، في حين أنه لا يقدم سوى المزيد من الجهل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى