المدينة في السينما العربية (6/4) تونس.. المدينة ذاكرة مكان
جمال محمدي
تحفل السينما التونسية بكثير من الأفلام السينمائية التي تستمد موضوعاتها من المدينة، لاسيما العتيقة منها، فحضور تونس المدينة يحيلنا إلى "فيلم صفائح ذهب" للمخرج النوري بوزيد (1989) عندما يعود سلطان المناضل الإنساني إلى مدينته، ويقف على ما وصلت اليه هذه المدينة وما لحق عائلته خاصة من تدهور، ليطرح أكثر من تساءل وجدوى القيم التي سجن من اجلها!!
في فيلم "عصفور سطح"Halfaouine, l'Enfant des Terrasses لفريد بوغدير) 1990 (قصة نور الذي يعيش مرحلة فارقة من عمره، بحي معدم بتونس، تدور أحداث الفيلم في حي الحلفاوين الشعبي والعتيق، أين يعيش نور بطل الفيلم فترة ما قبل المراهقة، الفيلم يعد مرآة عاكسة للمدينة التونسية الكتومة، وهو قبل ذلك عودة إلى الطفولة في حياة المخرج بوغدير في مشاهد كثيرة من الفيلم، يبرز الفيلم الواقع الاجتماعي عبر اكتشافات نور من خلال أبناء حيه، أمه، وقريباته، والده، وبيئاته الاجتماعية أو في فيلم مثل "ياسلطان المدينة" لمنصف ذويب (1992) حيث تعيش عائلات معدمة خلف أسوار المدينة العتيقة، كما يستشهد بها الأستاذ احمد القاسمي في بحثه المدينة العتيقة من التشكل الحضري إلى التشكيل السينمائي- مقاربة سيمائية بالقول: ( خاصة أن السينما التونسية قد جعلت منها فضاء).
في فيلم الزيارة لنوفل صاحب الطابع (2015) تتجلى رائحة وعبق تونس القديمة، ليصف لنا الفيلم تونس المدينة كما كانت، وبكثير من المتعة الفنية والحنين الآسر مع دفئ إنساني لافت، احتواه كادر صاحب الطابع، كما لو كان المخرج يعيش بأحاسيس وعواطف يوسف بطل الفيلم، الفاقد للذاكرة، الا ذاكرة المكان (المدينة) التي تسكنه، إلى أن تتمثل له هذه المدينة وتلاقيه على هيئة فتاة جذابة وغامضة، تجره إليها، ليستعيد معها ذاكرته المفقودة، لكن البيت الذي يتردد عليه، يبقى دائما موصدا في وجهه كأنه يلفظه لسبب ما. ومع ذلك يجعلنا نتقاسم معه الصراع الذي عاشه في تلك المحنة المؤثرة، إلى فيلم غصرة لجميل النجار (2015) من خلال شخصية (العربي) سائق التاكسي الذي ينقل مشاكل المدينة وإحباطاتها إلى العراء، وهو الذي لم يسلم حتى من قضاء حاجته البيولوجية براحة، فالجميع ضده ويترصده، بدءا من المرشح الانتخابي، إلى المشجع الكروي، إلى المتطرف الديني، إلى رجل الشرطة.
يأتي فيلم 'تونس الليل " للمخرج إلياس بكار، الذي يقدم فيلمه على أنه يُشخص الواقع التونسي كما يقوله عنه : ( الفيلم يستند إلى طرح سينمائي بحت أستعمل فيه دمج الصورة بالصوت، والتي أعتبرها أحسن طريقة للتعبير عن القضايا المطروحة، و تشخيص الواقع التونسي، الذي يصور أزمة عائلة، تعكس أزمة بلد بأكمله في فترة معينة من تاريخها) أما الناقد ناصر السردي فيرى أن فيلم تونس الليل إنتاج من الممكن للمتقبل التونسي مشاهدته وفهم محتواه بسهوله لأنه يطرح قضايا المجتمع المتشتت المعاصر لحقبة تاريخية معينة و مازلت متواصلة إلى اليوم.