المرأة في بوليوود وبلاد العجائب
مروان مجدي حبيب
للبقرة امتيازات
بـ”ساري” فضفاض وبصوت رخيم على أتم استعداد لملء الحياة بالبهجة بأجمل الأغاني والاستعراضات المفعمة بالحيوية والألوان، هكذا تعرفنا على المرأة الهندية في صورتها البوليوودية التقليدية، لكن ما هي إلا صورة تجارية لجذب المتفرجين وزيادة الإيرادات، بينما يؤكد العديد من نساء الهند أن البقرة في الهند أفضل حالاً منهن.
ففي الثقافة الهندية لايزال يتم تخصيص دورين فقط للمرأة اعتمادا على عمرها إما أنها إمتداد للرجل كزوجة أو ابنة أو كأم للأسرة، وفي كلتا الحالتين لا وجود حقيقي لصوت المرأة، أي أن حياتها بشكل كامل تعتمد على إرادة الرجل.
أيقونة صنعها محبوب خان
هدم المخرج والمؤلف (محبوب خان) في رائعته الخالدة mother India1957 فكرة أن المرأة ما هي إلا مُنَفِذ لإرادة الرجل، فوضعنا أمام إمرأة قد تخلي زوجها عنها لعجزه فأصبحت وحيده أمام عدة تحديات كجشع مرابي القرية، تربية الأبناء، الفقر، الجهل ومباشرة الأرض.
بالفعل تنجح هذه المرأة في تخطي جميع الصعاب، فأصبح الفيلم أيقونة للمرأة الهندية القوية و أستحق الفيلم أن يكون أول فيلم هندي يتم ترشيحه لجائزة أوسكار، إن عبقرية الفيلم تكمن في إبراز عمومية دور المرأة من خلال الشكل المثالي للأم، يُعَد mother India أكثر الأفلام شعبية في الهند حيث قدم المرأة كأم بشكلها المثالي في النسيج الإجتماعي و الثقافي في الهند، و ما إن خرج هذا الفيلم إلي النور حتي بدأ النقاش حول دور المرأة في الهند الحديثة يتطور و يأخذ حيز واسع.
إنزعجت الحكومة الهندية عندما تم تقديم طلب بأخذ بكرة فيلم لتصوير باسم mother India، كانت الحكومة تخشي أن يكون الفيلم مبنياً علي كتاب mother India للكاتبة الأمريكية (كاثرين مايو)، انتقدت في هذا الكتاب المجتمع الهندي بشكل عام والأحوال السيئة للمرأة بشكل خاص.
كان اسلوبها في النقد عنيفا لدرجة تصل إلى التجريح والتشويه والإهانة، وصف (المهاتما غاندي) بنفسه هذا الكتاب بأنه يهدف لتشويه صورة الهند، لكن بعد رؤية سيناريو الفيلم إقتنعت الحكومة أن اساسه ليس الكتاب بل وأضاف محبوب خان أن الفيلم في الأصل هو نقد لذلك الكتاب.
الأسطورة وبوليوود
كما كان في الأساطير الهندية نماذج قوية للآلهة النسائية التي ترمز للعنف والعلم والأنهار والانتقام والتنوير الروحي مثل لاكشمي وسارسواتي ودورجا، إلا أنه لا يتم التركيز سوي على قصة تضحية (ساتي) من أجل زوجها (شيفا) وكيف أنها كرست حياتها لطاعته وعبادته حتى أصبح الاسم(ساتي) فيما بعد يُطلَق علي طقس هندوسي مندثر يتم حرق المرأة فيه طوعاً أو بالإكراه مع زوجها الميت وهذا دليل علي صلاح المرأة وعفتها.
مثلما يوجد هذه الازدواجية في الأساطير الهندية فبالطبع سوف نجد ازدواجية في بوليوود، مثلما يوجد لاكشمي وساتي ففي بوليوود يوجد mother India وما يعتقده المجتمع أن به إهانة للمرأة، يتكلم النقاد بأن الجانب الأكبر في بوليوود يناقش المرأة بشكلها التقليدي كملاك أو كعاهرة أو كعنصر ثانوي لا يضيف شيئاً للحبكة لكنه يضيف لإيرادات الفيلم.
الرقابة المجتمعية ضرورة
تتمتع بوليوود بسيطرة كاملة علي قلوب و عقول الهنود باختلاف أعمارهم، لذلك تصبح الصور النمطية التي تصورها بوليوود عن المرأة معيار لكون المرأة صالحة أو فاسدة، و هذا يزيد من حساسية العلاقة بين بوليوود و المجتمع عن أي صناعة سينما أخري.
يتفهم مثقفي الهند أهمية دور السينما علي المجتمع خاصةً علي الشباب، لذللك قد يبدو لك أن انتقادهم كتصيد الأخطاء، مثلا في عام1993 هاجم النقاد و جمعيات حقوق المرأة في الهند فيلم darr للنجم الهندي شاه روخ خان بسبب سطر في أغنية يقول” لا يهم إذا قلتي نعم أو لا، أنتِ لي يا كيران”، اعتبروا أن هذا السطر دعوة صريحة لإلغاء دور المرأة و تهميشها، بل و هناك من اعتبرها تشجيع علي الاغتصاب.
ازدادت هذه الحساسية ووصلت إلى قمتها عقب أحداث الإغتصاب الجماعي بنيودلهي في 2012، وتعالت الصيحات الرافضة لأسلوب المغني الهندي (هوني سينج)، بسبب كلمات بعض أغانيه التي تصور العنف ضد المرأة والاغتصاب بشكل إيجابي، أو كجزء طبيعي من العلاقه الحميمية بين الرجل والمرأة، أطلق نشطاء حقوقيين حملة لإلغاء حفلة رأس السنة لهوني سينج بأحد الفنادق الكبرى، وبالفعل نجح الضغط الشعبي في إلغاء الحفلة.
الكارثة
إن كارثة بوليوود كما يصفها نساء الشارع الهندي تكمن في أن التحرش الجسدي واللفظي أساس الكوميدية الشعبية، وأيضاً إظهار رفض المرأة العلاقة كصورة من صور التقليل من شأن الرجل وإن الإلحاح وتعقبها هما الحل دون أي احترام لهذا الرفض.
إعلان الحرب على أصحاب الفِكر الظلامي
بعد قضية الإغتصاب الجماعي عام 2012، بدأ الهنود بمطالبة السلطات علانية برد فعل رادع لتلك الأحداث، لكن معظم السياسيين ورجال الدين أضافوا البنزين إلى النار مما ساهم في اشتعال غضب الجماهير.
كان من ضمن التصريحات التي أشعلت هذا الغضب، تصريح أحد أبرز زعماء الدينيين (أسارام بابو) حيث قال عن حادثة الاغتصاب في 2012 بنيودلهي: “إن الضحية مثل المغتصبين، كان عليها ألا تقاوم بل كان عليها أن تناشد المغتصبين وتدعوهم كأخوة لها وتطلب منهم التوقف في الحال، كان من الأفضل ألا تذهب إلى السينما مع شاب وتصعد الحافلة بمفردها”.
وأضاف أيضاً: “لا يجوز للمرأة التجول في الشارع مع رجل ليس بينها وبينه إرتباط رسمي”، من المفاراقات الطريفة أن هذا الزعيم الديني قد حُكِمَ عليه بالسجن مدي الحياة في عام 2018 بعدما أُدينَ بإغتصاب مراهقة من أتباعه بحجة تخليصها من الأرواح الشريرة.
الفنان صاحب قضية
انتشرت في الآونة الأخيرة حملات على نطاق واسع لتوعية الشباب الهندي ضد التحرش، وأيضاُ حملات يقودها فناني بوليوود لضرورة تعلم الفتيات لفنون الدفاع عن النفس، وكان للرجل الأشهر في بوليوود (أميتاب باتشان) بصمته الخاصة من خلال فيلم pink 2016 ، حيث يتناول قصة محامي يتولى الدفاع عن ثلاث فتيات تعرضن للتحرش.
ليست الهند فقط
يبدو أن الطريق طويل وأن المسؤولية ثقيلة على عاتق المجتمع الهندي لإخراج نفسه من هذا المستنقع، في الواقع ليس المجتمع الهندي فقط، لكن كل مجتمع وجد الفساد تربته الخصبة به، من خلال هؤلاء الذين مازالوا يبررون للمجرم أفعاله على حساب الضحية.