أخبار

المعبد الهندوسي رام ماندير يربح أول جولة على حساب تاچ محل

مروة دسوقي

أيوديا مدينة تاريخية عريقة تقع في شبة القارة الهندية، كانت في الزمن السحيق -قبل عدة آلاف عام- عاصمة لمملكة كوشال، لذا كانت أول موقع يتم ذكره في أول صفحة في ملحمة الرامايانا الهندوسية، ومنها تبدأ الأحداث، لأنها مسقط رأس شِري رام (الرامايانا هي ملحمة الإله رام – ورام هو الأڤاتار السابع للورد ڤيشنو – وڤيشنو هو أحد آلهة الثالوث الهندوسي المقدس “براهما/ڤيشنو/شيڤا”).

معبد رام لقطة ليلية
معبد رام لقطة ليلية

ومازالت تحتفظ أيوديا باسمها التاريخي حتى اليوم، حيث تقع بالتحديد في ولاية أوتار براديش شمال الهند، لكن السؤال! أين معبد رام؟ أين الماندير؟

والــ “ماندير” كلمة باللغة السنسكريتية القديمة تتكون من شقين: “Mana” التي تعني الذات الداخلية و”Dir” التي تعني مكان، أي مكان تعيش فيه الذات الداخلية.. ولأن الذات الداخلية في المُعتقد الهندوسي تسبح في تقوى لذا فمكانها مكان العبادة، وهكذا أصبح المعبد “ماندير”.

المعبد الهندوسي رام ماندير
المعبد الهندوسي رام ماندير

لكن رجوعًا للسؤال الأهم أين الماندير؟ وكيف لا يكون لرام معبدًا في مسقط رأسه؟! سؤال قد نعتقد أنه بلا إجابة لكن في الهند إجابته معروفة وواضحة كشمس النهار. دعني أحكي لك.

في القرن السادس عشر وبالتحديد في عام 1528 أمر السلطان الغازي ظهير الدين محمد بابُر (وريث عُمر شيخ ميرزا على عرش فرغانة/طشقند – أي أنه من مواليد أوزبكستان حاليًا – مؤسس سلطنة مغول الهند – أول إمبراطور مغولي يحكم الهند) نائبه الجنرال المغولي مير باقي بعد غزو شمال الهند ببناء المسجد البابُري (نسبة إلى السلطان نفسه) في أيوديا.

المسجد البابُري
المسجد البابُري

يُعد بابُر بطلًا قوميًّا عظيم الشأن في كُلٍ من أوزبكستان وقرغيزستان لكنه في الهند مجرد غازي استمرت دولته وسلالته تحكم الهند زهاء ثلاثة قرون حتى انقضى أجلها بعدما خُلع آخر السلاطين المغول محمد بهادر شاه سنة ١٨٥٧م من قبل البريطانيين. أي أنه احتلال سلم الهند إلى احتلال آخر.

ومن لحظة بناء المسجد البابُري (الذي عُرف بين الهنود بمسجد رام جانمابهومي أي مسجد مسقط رأس اللورد رام) على هضبة راماكوت إلى احتلال البريطانيين لشبه القارة الهندية وصولًا إلى نيل الهند استقلالها والموقع محل نزاع بين المسلمين والهندوس وبين المسلمين أنفسهم سُنة وشيعة. لم يعتنق الهنود ديانة الغزاة ليتناسوا معابدهم المُقدسة وأماكن حجهم أو حتى لتتغير مروياتهم أو تتشوه، وبمرور السنين أصبح المسجد الذي يقول الهندوس أنه بُنى على أنقاض معبد رام مسجدًا تاريخيًا وأثرًا شامخًا. فما الحل!

حاول القضاة الهنود اقتسام الموقع بين المسلمين والهندوس ثم حاولوا وضع قفل على الباب تحت وصاية الكهنة الهندوس ليبقى الحال على ما هو عليه -دون إصدار حُكم حول ملكية الموقع مخافة قيام أعمال شغب طائفية- إلا أن كل هذا لم يفلح فقامت عام 1992 أعمال شغب طائفية هُدم المسجد خلالها، وعادت القضية أمام المحاكم وهُنا طالب كلا من الهندوس والمسلمين بالموقع لإعادة بناء دار عبادتهم.

المسجد البابُري
المسجد البابُري

حتى انتهى الأمر بحُكم المحكمة العليا في الهند عام 2019، بمنح ملكية الموقع للهندوس لإعادة بناء معبدهم التاريخي وتخصيص مكان آخر لبناء مسجد للمسلمين.

صدر حُكم المحكمة العليا بالإجماع لأن هيئة المسح الأثري (التي تضم أثريين مسلمين) عثرت على بقايا مبنى غير إسلامي يحمل نقوشًا هندوسية تحت هيكل المسجد البابُري المهدوم، وتم عرض النقوش الأثرية في مؤتمر إعلامي ليتم غلق أحد أكثر القضايا الشائكة في الهند، كما أشارت المحكمة إلى أن هدم المسجد البابُري في ظل أعمال الشغب كان عملًا مُخالفًا للقانون.

الفيلم الهندي Bombay‎ 2
الفيلم الهندي Bombay‎

وكعادة الهنود في توثيق كل شيء، تم توثيق كل هذه الأحداث من خلال الأفلام السينمائية الهندية، فكان الفيلم الرومانسي، الناطق بلغة التاميل، Bombay في منتصف تسعينات القرن العشرين أول مادة بصرية تلفت أنظارنا من خارج الهند لهذه المأساة التي حدثت، وتوالت الأفلام مثل 1992 – Ram Ki Janmabhoomi – Game of Ayodhya والمفضل دائمًا Mausam أشار للحدث في شجن بالغ.


الفيلم الهندي Bombay‎
الفيلم الهندي Bombay‎

لم يكن نزاع موقع معبد رام والمسجد البابُري في الهند حدثًا فريدًا من نوعه، فهناك عدة مساجد وأضرحة أخرى تحوم حولها المُعتقدات والقضايا، وفكرة أنها بُنبت فوق معابد هندوسية مُدمرة لازالت تلقى تأييدًا واسعًا لأن كلا المرويات الهندوسية والإسلامية تقول إنه كان نهج المسلمين في الهند باختلاف الصيغ.

وهناك عدة مساجد وأضرحة أخرى لست في حاجة إلى التنقيب لتكشف لك الأرض عن الآثار غير الإسلامية داخل الأبنية الدينية الإسلامية، (وبالفعل تتحرك المنظمات الهندوسية قضائيًا لأجلها، لكن ولأن القانون الهندي يحظر تغيير صفة أي دار عبادة وينص على الحفاظ على الطابع الديني لدور العبادة كما كانت عليه عند لحظة استقلال الهند -باستثناء ضريح أيوديا-، ومع ذلك، تنظر المحكمة العليا في الطعون على القانون) ودعني أصدمك قُطب منار… بل وتاچ محل نفسه له قصة مُشابهة.

تاج محل
تاج محل

من أجل هذا، تتقزم الأساطير والرؤى أمام الحقائق، وعادت أيوديا إلى عناوين الأخبار العالمية بخبر افتتاح أحد أقدس المعابد الهندوسية في التاريخ، معبد رام يناير 2024. وبدأ تاريخًا من نوع جديد يُكتب، تاريخًا على صعيد المنافسة بين الأماكن المُقدسة والمزارات الدينية والسياحية في البلد التي تُعرف عالميًا بــ “فردوس الآلهة”.

 وقبل نهاية العام الأول للافتتاح نشرت العديد من المواقع الهندية على رأسها الهندوستان تايمز إحصائيات رسمية تثبت أن معبد رام في أيوديا أصبح الوجهة السياحية الأولى في الهند متفوقًا على تاچ محل نفسه -في الفترة بين يناير وسبتمبر- بأكثر من 13 كرور تذكرة سياحية مُقابل 12 كرور تذكرة سياحية فقط لتاچ محل (الكرور الواحد هو عشرة ملايين تذكرة).

حفل افتتاح معبد رام قبل عام
حفل افتتاح معبد رام قبل عام

في السينما، عادت الرامايانا (ملحمة الإله رام) إلى استديوهات مومباي، والآن يعمل فريق مُحترف على تحويل الملحمة المُقدسة إلى مُنتج سينمائي صالح للمتابعة في الألفية الثالثة. ومن وجهة نظري، لا شيء أجمل من استغلال المعبد في تصوير بعض المشاهد، بناء المعبد أو أداء البوچا (أي الصلاة) في المعبد، لا أدرى! لكن كُلي إيمان أن الماندير سيظهر في الفيلم السينمائي، هكذا جرت العادة في الأفلام السينمائية الهندية مع مناطق الجذب السياحي والمواقع الآثرية والتراثية.

ومن المفترض أن يصدر الفيلم في عيد الديوالي من العام القادم، والديوالي (أو الديبڤالي) هو عيد الأنوار، ذكرى رجوع رام وسيتا ولاكشمان إلى أيوديا بعد سنوات النفي، وحتى ذاك الموعد نترقب كل جديد.

بالمناسبة، قد تعتقد أننا نشتبك لأجل المزارات السياحية أو المواقع الدينية المقدسة أو حتى قضايا الأديان، لكن (لا) نحن نتحدث عن السينما. الواقع يُصعد قضايا ويستدعي قضايا (رائقة – غير رائقة) لتناقشها السينما، الفن الباقي.

حفل افتتاح معبد رام قبل عام
حفل افتتاح معبد رام قبل عام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى