نقد

تطور مشاهد الجنس في السينما المصرية (1-2)

عمرو شاهين

لأنه طبيعة بشرية خالصة وفطرة خلقنا عليها وبها، ولأن السينما فن يهتم بالإنسان وأزماته ومجتمعه وأفكاره وانتصاراته وانهزاماته، وأيضا غرائزه، كان لابد ان يكون الجنس أحد المواضيع التي تناولتها السينما، خاصة وأن هناك حبكات للعديد من الأفلام قائمة على أفكار الخيانة أو الإغواء أو حتى الحرمان، أو العجز الجنسي، والتي كانت تقتضي للضرورة الفنية وجود مشاهد تعبر عن الجنس، تلك المشاهد التي تطورت مع تطور الصناعة وتطور وتغير المجتمع ومعايره وأفكاره.

في البداية الموضوع بعيد كل البعد عن العنوان الذي قد يستهوي شريحة من مستخدمي الإنترنت، والذين دائما ما يجذبهم عنوان " شاهد قبل الحذف فضيحة.. إلخ" أو مقاطع ساخنة للنجمة الفلانية، إلى آخر تلك العنوانين التي من المؤكد اننا اصطدمنا بها عبر مواقع الشبكة العنكبوتية.

بداية صامتة وإيحاءات بصرية

البداية كانت صامتة وتحديدا عام 1927 حينما قدم المخرج "إبراهيم لاما" فيلمه "قبلة في الصحراء"، الفيلم الذي كان عنوانه فعل جنسي وهو القبلة، كان مع بدايات السينما المصرية، وحينما تحولت السينما من الصامتة للناطقة كان الجنس ايضا طرفا في العديد من حبكات الأفلام، لكن ما يهمنا الأن هو طريقة تنفيذ المشاهد الجنسية، لن تجد يوما فيلماً في الثلاثينات أو الأربعينات به مشهد يمكنك ان تطلق عليه مشهدا ساخنا، فمشاهد الجنس تكتفي إما أن يضع البطل والبطلة خديهما متلاصقين كناية عن غيابهم في قبلة طويلة، أو أن ينتهي مشهد الإغواء بأن يسقط البطل والبطلة أسفل الكادر ويرتفع الكادر، فتدرك أن البطل والبطلة قد سقطا في الخطيئة.

أيضا لن يمكنك أن تفرق البطلة ذات الشرف والعفة من الفتاة اللعوب عن طريق الملابس، فجميع الفساتين تتشابه في تلك الفترة، الاختلاف فقط في أداء الإغراء وكيفية الغواية، يمكننا أن نطبق تلك القاعدة على أغلب افلام فترة الثلاثينات ولكن نستثني فيلم "العزيمة" للمخرج كمال سليم، الذي عرض في  عام 1939، حيث تجد في الفيلم واحداً من أجرأ المشاهد الجنسية وقتها وهي القبلة الشهيرة بين حسين صدقي وفاطمة رشدي، وهو المشهد الذي استمر على الشاشة لمدة دقيقة بين بداية القبلة وفرار البطلة من أحضان البطل، في حين ان القبلة نفسها لم تأخذ أكثر من 3 ثواني على أقصى تقدير، ويمكن اعتبار هذا المشهد هو أجرأ مشهد قدم في تلك الفترة.

مرحلة العاصفة الممطرة وبدايات التحرر من الإيحاء البصري

في الأربعينات كان هناك تطور ملحوظ في تكنيك تصوير مشاهد الجنس في الأفلام المصرية، حيث أصبح المعني البصري لفكرة الجنس هي أن تمطر السماء وأن تعصف الرياح، حتى وإن كانت احداث الفيلم تدور في فصل الصيف، فأصبحت مؤهلا تماما حينما تشاهد مشهد غرام بين بطلي الفيلم أن ينتهي المشهد بعاصفة ممطرة.

وعلى الرغم من أن فترة الخمسينات كانت بداية تطور حقيقي وملموس في صناع المشاهد الجنسية في الأفلام، إلا أن تيمة العاصفة الممطرة التي تصاحب مشاهد سقوط البطلة أو ضعفها ظلت مستمرة، وإن تمت الإضافة عليها كأن يغلي شيء ما على النار كالقهوة مثلا أو الماء، مما يتسبب في إخماد نيران "البابور" أو ان تكون العاصفة شديدة لدرجة انها تكسر زجاج النافذة، بينما البطل والبطلة في عالم أخر، والأمثلة على هذه النوعية من المشاهد لا تعد ولا تحصى، وقد تتعثر فيها في أغلب افلام فترتي الأربعينات والخمسينات.

الخمسينات وبعد الثورة تحديدا، وبعد أن اصبح على الساحة مخرجين كانوا شبابا في الأربعينات وأصبح لهم ثقل ووزن وتجربة يمكن تقييمها، أمثال صلاح أبوسيف ونيازي مصطفى وعزالدين ذوالفقار وفطين عبدالوهاب وغيرهم، ومثلما تغير المجتمع المصري وتحرر من الاستعمار والملكية، تغيرت ايضا أفكاره ونظرته للجنس في الأفلام، فتجد أن افلام تلك الفترة قد أصبحت أكثر جرأة في طرح مشاهد الجنس والإغواء، ومثال على ذلك المشهد الشهير بين فاتن حمامة وعمر الشريف في فيلم "صراع في الوادي"  للمخرج يوسف شاهين عام 1954، الذي قدمت فيه فاتن حمامة أشهر قبلاتها على شاشة السينما، ومشاهد إغواء تحيه كاريوكا لشكري سرحان في فيلم "شباب امرأة" عام 1956، أو المشهد الذي جمع فريد شوقي وتحية كاريوكا في فيلم "الفتوة" عام 1957، إضافة لفيلم "باب الحديد" ليوسف شاهين أيضا عام 1958.

كما نجد أيضا تطور لمشاهد الإغواء في أفلام عزالدين ذوالفقار، على سبيل المثال المشاهد التي جمعت هند رستم وشكري سرحان في فيلم "رد قلبي" عام 1957، هدى سلطان ورشدي أباظة في فيلم "امرأة على الطريق" عام 1958، أو مشاهد إغواء ليلى فوزي لشكري سرحان وفريد شوقي في فيلم "بورسعيد" عام 1957.

يمكن اعتبار أن السمة الأساسية لتلك الفترة ليست مشاهد الجنس الصريح، وإنما مشاهد الإغواء، والتي اختلفت عن الأربعينات بكونها أبرزت جسد الأنثى ومفاتنها وأداءها، بعدما كان الإغواء قائما على أداء باهت يشوبه حياء مصطنع، فجاءت مشاهد تلك الفترة صادقة وحقيقة للغاية، على الرغم من كونهم لم يقدموا مطلقا مشهد من الممكن أن يصنف تحت المشاهد الجنسية المباشرة، فلم تتجاوز مشاهد تلك الفترة منطقة القبلات والأحضان الساخنة.

وتطورت المشاهد شيئا فشيئا مع فترة الستينات، ومع دخول جيل جديد من المخرجين إلى دائرة الصناعة، أصبحت المشاهد المثيرة أو الجنسية أكثر صراحة ومباشرة ليس فقط في أفلام شباب المخرجين وقتها أمثال حسام الدين مصطفي بل أن مخرجي الجيل السابق أيضا طوروا أسلوبهم في تصوير المشاهد الساخنة أو الجنسية في الأفلام، فنجد أن شادية قدمت عدد من المشاهد الجريئة في هذه الفترة كمشاهدها في فيلم "الطريق" عام 1964 مع المخرج حسام الدين مصطفى.

وأيضا نلاحظ هذا التطور في تنفيذ المشاهد الساخنة في أفلام حسن الإمام وخاصة فليمي "بين القصرين" عام 1962، في المشاهد التي جمعت نعمت مختار ويحيى شاهين، لتزيد وتيرة تلك المشاهد في الفصل الثاني من الثلاثية "قصر الشوق" عام 1966.

والملاحظ على تلك الفترة منذ بداية الستينات وحتى ما قبل نكسة يونيو 1967، ان المشاهد أصبحت أكثر حميمية عن ذي قبل، بل أن التلامس بين جسد البطل والبطلة أصبح أكثر وغير مقتصر على الشفاه او الأحضان الساخنة، وزادت جرعة المداعبات الجسدية بين طرفي المشهد، وكأن كل ما يحدث هو تمهيد لما ستشهده مشاهد الجنس في الأفلام المصرية عقب نكسة 1967.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى