جيرار ديبارديو.. خلق العدو الوهمي
مصطفى الكيلاني
منذ عامين حدثت أزمة كبرى في الجزائر بسبب مشاركة الفنان الفرنسي جيرار ديبارديو في بطولة الفيلم التاريخي “أحمد باي” الذي يحكي عن موقف الحاكم العثماني من الاحتلال الفرنسي لبلاده وتعرضت منتجته لحملة قادها الصحفي محمد علال، مازال بسببها في المحاكم، في القضية المثارة بينه ومنتجة الفيلم “سميرة حاجة جيلاني” الموقوفة بتهم فساد مالي عن نفس الفيلم الذي مولته وزارة الثقافة الجزائرية.
الفيلم تم تصويره والانتهاء منه بموافقة وزارة الثقافة هناك، ولم تسحب دعمها نهائيا، رغم كل الدعاوي بالوقوف مع فلسطين “ظالمة أو مظلومة”، والتشدد الشعبي الجزائري ضد اليهود عموما وليس الصهيونية فقط.
في يوليو 2017 ثار التونسيون على برمجة عرض للكوميدي اليهودي الفرنسي من أصل تونسي ميشيل بوجناح، بسبب مواقفه المناصرة للصهيونية، ودعمه المتواصل لدولة الكيان الصهيوني، ومع إصدار الاتحاد التونسي للشغل – وهو قوة لا يستهان بها في تونس- بيانا ضد العرض، إلا أن العرض أقيم في موعده، وتسابق الجمهور لحضور العرض الذي كان كامل العدد.
نأتي للاحتجاجات المصرية على وجود جيرار ديبارديو ضمن تكريمات مهرجان الجونة، وبعديا عن تاريخ ديبارديو الفني الكبير، لكنه بالفعل دعم الكيان الصهيوني، بعد تاريخ حافل من الانقلاب بين الأفكار والتيارات، آخرها تعمده أرثوذكسيا في سبتمبر الماضي بكنيسة في باريس، في التيار الأكثر تشددا ضد اليهودية كديانة، وضد اليهود كشعب قتل المسيح.
ديبارديو، الذي أسلم لمدة عامين بعد سماعه لصوت أم كلثوم في السبعينات، ترك المسيحية الكاثوليكية، ودرس الإسلام لمدة عامين، وبعد أن خفت تأثير أم كلثوم داخله، ترك دراسة الإسلام، وهام في فنه.
جميعنا ضد التطبيع، وضد وجود شخص صهيوني في دائرة التكريم بأي فعالية مصرية، ورغم وجود اتفاقية سلام بين مصر إسرائيل منذ نهاية السبعينات، لكن التطبيع الشعبي لم ولن يحدث، لكننا هنا أمام حالة خاصة جدا، لفنان هائم في خياله الإبداعي، يتحول إلى ديانة أخرى “الإسلام” بسبب صوت مغنية مهما كانت عظمتها، لهو شخص تغلب عليه طبيعة المحلق في فنه، وأي موقف يصدر منه يجب أن يتم وضعه في سياق الحالة العامة لذلك الشخص.
ونحن هنا أمام صورة عامة للعربي والمسلم في كل وسائل الإعلام الغربية، هي أحط مما نتخيل، وعدد الأفلام التي تقدم المسلم كإرهابي أكبر من عدد الأفلام الذي قدمت لتشويه صورة الهنود الحمر، فهل ديبارديو أو غيره، ممن صور لهم أن المسلمون ذباحين إرهابيين قتلة، هم الملومون على مواقفهم.
اللوم على الكيان الصهيوني لترويج صورته كدولة ديمقراطية تعيش في مستنقع من الذبح والقتل، أم اللوم على العرب والمسلمين الذين سمحوا بتوغل الأفكار المتطرفة داخلهم، وصرفوا مليارات الدولارات لذبح بعضهم، بدلا من أن يستخدموها لصناعة دول ذات قيمة في العالم، وصرفوا كذلك مليارات أخرى على ترويج شرائط الحويني والعريضي ومحمد حسان، بدلا من صناعة ثقافة وفن يقدمون صورة جيدة لتلك المجتمعات للعالم.
أستعير هنا منشور لإسلام البحيري عن كتاب “الإسلام عقيدة وشريعة “لشيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت عن حكم من مات ولم يؤمن برسالة النبي محمد ولم يتبع شريعته يقول ما نصه: تحت عنوان ” الحد الفاصل بين الإسلام والكفر” صفحة 19- 20 “فإذا لم تبلغه تلك العقائد، أو بلغته بصورة منفرة أو صورة صحيحة ولم يكن من أهل النظر، أو كان من أهل النظر ولكن لم يوفق إليها، وظل ينظر ويفكر طلبا للحق، حتى أدركه الموت أثناء نظره فإنه لا يكون كافرا”.
هذا حكم الدين في الشخص الذي لم يؤمن به، فما بالك بالحكم السياسي، حينما نلوم بعض الفنانين أو المشاهير على دعمهم للكيان الصهيوني، يجب أن نلوم انفسنا أولا، نحن من شوهنا صورتنا بيدينا، ونحن من ساعد الكيان الصهيوني على نشر صورته “الجميلة”، نحن من نام في فراش تسيبي ليفني، وتآمرنا لصالحها.
نحن الفلسطينيون من قتلنا 700 شخص من أبناء جلدتنا في يوم واحد لخلاف سياسي ظاهره ديني، ونحن الأردنيون الذين صنعنا أيلول الأسود، ونحن المصريون الذين حرقنا 70 كنيسة في يوم واحد بعد فض اعتصام رابعة المسلح، ونحن الذين نبعد أكثر من 4000 كيلومتر عن فلسطين، ولم نقدم 1/مليون مما قدمه المصريين للقضية الفلسطينية، ولا نسكت يوما واحدا عن منابذة المصريين بـ”افتحوا الحدود يا مصاروة”، ونحن من ذبحنا المدرس الفرنسي وبكل بجاحة ندعو لمقاطعة المنتجات الفرنسية.
نحن من ندعم تركيا، الحليف الأول لإسرائيل، وندعوها في صحفنا وصفحاتنا لقتل السوريين والليبيين، بحلم عودة الخلافة، نحن صنعنا ظاهرة جيرار ديبارديو وكلود ليلوش وسلفستر ستالون وليونيل ميسي وآلاف من المشاهير زاروا إسرائيل ووقفوا أمام حائط المبكى، ونحن الآن من نتباكى على تكريم أحدهم في مهرجان.
صديقي المناضل.. نحن جميعا في صفك، لكن يجب أولا أن تقف في صف بلدك وقضيتك، ويجب أن تناضل حقا، ولكي تصبح المناضل الحق، يجب أن تختار عدوك، فالعدو ليس داعم الصهيونية، العدو هو الصهيوني الذي قتل وذبح وشرد، لكن داعم الصهيونية يجب أن تجرب كل الوسائل لاستقطابه لصفك، هكذا تصنع الشعوب الواعية مريدين ومحبين وداعمين.
وجهة مظر عاقلة تستحق القراءة