روميو وجولييت في القاهرة
سمو حسام الدين حلوم
“الفنانون يوحدون العالم” أو على الأقل هذا ما يحدث في مسرحية “مش روميو وجوليت”. هذه المرة كلٌّ من روميو وجولييت سجلا حضوراً لافتاً على خشبة المسرح القومي في القاهرة. بعد مرور أكثر من 400 عام على ظهور المسرحية التي كتبها الأديب الإنكليزي وليام شكسبير بين عامي 1593 و 1596، والتي ما تزال حاضرةً في الفن العالمي، إذ أن الحبكة على بساطتها “عاشقان متحابان من عائلتين بينهما خلاف متجذر” فهي حبكة تتمتع بمرونة جعلتها قابلة لأن تُحمَّل الكثير من الأحداث والرسائل والقضايا المحلية الخاصة بكل بلد.
“مش روميو وجوليت” عملٌ مسرحيٌ غنائيٌ استعراضي “ميوزيكال شو” كان بمثابة حُلُم مؤجل لمخرجه عصام السيد، حلمٌ تحقق بعد 5 شهور من “البروفات” سبقها 5 شهور من التحضير.
وإذا كان الفن الحقيقي والفنانون الحقيقيون هم من يزيلون الخلافات ما بين البشر ليجمعوهم على قيم البشرية العليا المتمثلة بالخير والحبِّ والجمال. فإن هذا بالضبط ما فعله العرض المسرحي “مش روميو وجوليت” مقدماً كوميديا لطيفة رومانسية بملامح ملحمية، مُحمَلاً برسائل حبٍّ وجمالٍ ودعوةٍ إلى التَّصالح والسَّلام، وإعلاء الإنسانية الجامعة لكلِّ النَّاس ليترفعوا على ما بينهم من اختلافات وفروقات.
كلُّ هذه القيم والرسائل صُبَت في قالبٍ حيويٍّ من الأغاني والرقصات الممتعة للمشاهد. الصياغة الشعرية قدمها أمين حداد الذي أتحفنا بأغانٍ جعلتنا ندرك أنَّ للجيل الجديد القدرة على تقديم أغانٍ بكلمات ذات معنى ولحنٍ لا يعذب سامعه خلافاً لما هو شائع.
ومما يحسب للعرض أنه سلط الضوء على المشكلة، وأخرج الأحاديث المحظورة إلى العلن، وكسر التابوهات المجتمعية، وعمل على إعلاء دور المسرح، وأظهر جزء من تاريخ مصر بالتداخل مع الأحداث في عرضٍ شيقٍ.
ولكن كان هناك حاجة لزيادة جودة الصوت إذ أن الموسيقى كثيراً ما كانت أعلى من القدرات الصوتية للبعض وخاصة الفنان علي الحجار الذي في كثيرٍ من الأحيان بدا أنه يضغط على حباله الصوتية محملاً إياها ما لا تحمل.
كذلك مما يؤخذ على هذا العمل أنه عمد إلى محاباة الجماهير فحرص على عدم أخذ الأحداث لأقصاها، وهذه المحاباة ظهرت من العنوان “مش روميو وجوليت” وكأنه يقول لنا أنه ليس حباً-لا سمح الله- إنه ليس حباً فلا تقلقوا.. وبالتالي فهو اختار حلولاً سلبية مسالمة ومستسلمة.
ورغم أن هذا الخيار سهَّل قبوله من النَّاس، وحماه من حملات الاعتراض والتكفير، وسمح له بالخروج إلى العلن، ولكن ماذا لو ذهبنا به للأقصى؟ وماذا لو كان حباً ذاك الذي بين يوسف وزهرة؟
وبعيداً عن ذلك ظهرت في العرض الحاجة إلى الإيجاز في كثير من المشاهد، مما أوجد خللاً في إيقاع المسرحية، ظهر بشكلٍ خاص عند الانتقال بين المشاهد الذي كان بطيئاً وثقيلاً وفيه الكثير من الجمل والحوارات المكررة.
ومع أن العمل تميز بالميزانسين المدروس والمتوازن في أغلب المشاهد، إلا أن بعض المشاهد كانت تستلزم اختصار الوجود الإضافي لبعض الممثلين الذين لا يستلزم الحوار حضورهم، مثل حوار الذكريات بين يوسف وزهرة والذي كان سيكون أجمل بكثير لو خصص المسرح في أثنائه لهما فقط مع مشاهد تاريخية موثقة تستعرض على الشاشة.
مسرحية “مش روميو وجوليت” تنتجها فرقة المسرح القومي وتولى إعداده المؤلف محمد السوري، وجسد البطولة فيه كلٌّ من: علي الحجار، رانيا فريد شوقي، ميدو عادل، عزت زين، دنيا النشار، طه خليفة، آسر علي، طارق راغب، والمطربة أميرة أحمد.
وتضمن فريق العمل كلٌّ من: المخرج المنفذ صفوت حجازي، الموسيقى والألحان أحمد شعتوت، الاستعراضات شيرين حجازي، الديكور محمد الغرباوي، مساعدا الإخراج حمدي حسن ومحمود خليل، الإضاءة ياسر شعلان، الملابس علا جودة ومي كمال، الجرافيك محمد عبد الرازق، فوتوغرافيا عادل مبارز، الدعاية: محمد فاضل.
ظهر في هذا العرض أداءٌ تمثيليٌ جميلٌ ومتقنٌ من غالبية الممثلين المشاركين، بالإضافة إلى الحضور اللافت للكثير من الوجوه الشابة متعددة المواهب ما بين الرقص والتمثيل والغناء مع مهارة ولياقة جعلت حيويتهم لا تنقص على امتداد وقت المسرحية الذي يصل إلى 3 ساعات. بالإضافة إلى حضورٍ قويٍّ للمطربة الشابة أميرة أحمد، قدم كذلك الممثل عزت زين مشاهد لافتة بصوتٍ جهوريٍّ ومخارج حروف واضحة جعلته يسترسل بسهولة وانبساط.
وقد تمكن مهندس الديكور محمد الغرباوي من استثمار المسرح -الصغير نسبياً- بأفضل صورة مقسماً إياه إلى عدة طبقات مكنته من استثمار كل المساحات بما يخدم العرض.
في النهاية نحن أمام عملٍ جميلٍ يحكي لنا عن طرفين متخاصمين كلاهما يطلب العون من إلهه لينصره على الآخر.. فأيُّ إلهٍ سينتصر؟
هذه “التيمة” تطلبت جهداً لا يستهان به للقفز بين ألغام الخطوط المجتمعية الحمراء، ليوصل للناس بمختلف أعمارهم وخاصة للشباب خطورة رفض الحب والمسرح والصداقة والفن، ورفض الآخر المختلف عنا، وخطورة التصديق والاتباع الأعمى دون إعمال العقل.
عملٌ سيكون له جميل الأثر فيما لو نال الدعم محلياً وعربياً ليحرض الناس عامةً وخاصةً الجيل الجديد على تنمية مهارات التحليل والتفكير بدلاً من التقليد الأعمى وتكرار أفعال وقناعات عفا عليها الزمن، فما الذي سيحصل لو استبدلنا الخوف من الآخر بالحب والتقبل؟
استمتعوا بمشاهدته والتفكر فيما سبق ولكم حرية الموافقة أو الاعتراض.