“ريش” وزيف الوطنية
عبدالإله الجوهري
“ريش” فيلم مصري، تم عرضه في مهرجان الجونة السينمائي، فقامت قيامة أصحاب الياقات، ودقت الطبول، بسبب جرعة وطنية زائدة، عند أحد الفنانين من الذين يؤمنون بأن مصر خالية من كل العيوب، مصر الناصعة البياض كثلوج جبال الهيمالايا، والنظيفة كنية بعض أنصار السوء والبحث عن ثقب للمرور نحو قلوب الجماهير المصرية بكل شعبوية.
“ريش” فيلم يشبه عشرات الأفلام المنتجة في بلدان عالمية عديدة، أفلام تتصدى للواقع بإيقاعات فنطازية عجائبية، ونبرات تريد أن تضع الإصبع والإبهام، بكل قدرة وأناقة على ترويض الواقع بلغة سينمائية لا علاقة لها بالواقع، وان تنكئ الجراح التي تشين وجوه المجتمعات.
وتحاول ما أمكن أن تكون وفية لمعاني الفن والإبداع، بدل الوفاء لشعارات الانفعال والخواء، والمزايدة بالوطنية الضيقة، التي تسيء لبلد، ليس بحاجة لمزايدة أو مهاترة للتأكيد على الأصالة والنضارة والتاريخ الطويل، مزايدة ومهاترة تسيء لمصر أكثر مما يسيء لها “ريش”، او أي فيلم من الأفلام.
لأن الفيلم في عموميته، يبقى فيلما لا يعكس الواقع كما يفهمه، وتعيش فيه، أصحاب النيات السيئة والأفهام المتكلسة، بقدر ما يعكس رؤية إبداعية خاصة لعالم غير موجود، عالم مخرج يريد أن يكون بلده أجمل وأنظف من خلال “معالجة” مشاكله وألام وأمال وأحلام أبنائه، بلغة الفن السابع، وبلاغة الصورة.
عكس من يتمنطق، صباح مساء، بأحزمة البؤس الفكري، والأخلاق الفاضلة الراقصة المهزوزة، أخلاق التصدي لكل من يشير للبلد بأصابع الاتهام، محاولين بذلك حجب نور الشمس بالغربال.
أن تكون مثقفا أو فنانا، يعني أن تكون منتصرا، أولا وأخيرا لحرية الإبداع، وقبل ذلك، أن تكون متحررا من قيود الوطن المزيف الذي لا يأتيه الباطل من الخلف أو الأمام، الوطن الذي يجب عليك أن تحبه حبا حقيقيا، دون تطرف أو هروب نحو دوائر الخسران، خسران رفع شعارات خادعة كاذبة، محاولا إيهام نفسك قبل غيرك أن بلدك أجمل البلدان.
كما أنك تحاول أن تغمض العينين، لكيلا تنظر لأحزمة البؤس المحيطة بمدينتك وتتفادى وجوه العشرات من المشردين والمتسولين الجائلين في الشوارع والأزقة والطرقات في كل البلدان العربية.
إننا نحب بلداننا حبا جما، رغم مشاكلها، لكن هذا لا يجب أن يساهم في تكريس واقعها ومحاولة عدم الحديث عن هذا الواقع، وذلك بغض الأبصار، وخنق كل كلمة حق تريد أن تنبهنا للسيء فينا. ومهاجمة فيلم مصنوع بذكاء وحرفية، فيلم رفع راية البلد في مهرجان كان، أقوى محفل سينمائي عالمي.