“سمراء القاهرة”…عودي رجاءً!
دينة البشير
خلّف نبأ إصابة الفنانة القديرة رجاء الجداوي بفيروس كورونا، صدمة للوسط الفني ولجمهورها، مما تسبب في موجة تعاطف كبيرة اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي بصادق الدعاء لها بالشفاء.
حين يُذكر اسم رجاء الجداوي، يتبادر إلى الذهن صورة المرأة الأرستقراطية، الأم الراقية وسيدة المجتمع، هذه الصورة لم تأت من فراغ، فنجاة علي سيد الجداوي (اسمها الحقيقي) ابنة مدينة الإسماعيلية ، تعلمت فنون وأصول الإتيكيت وكذا اللغات – فهي تتقن الفرنسية والإيطالية والإنجليزية – بمدرسة (الفرنسيسكان) الداخلية التي يرتادها علية القوم بإصرار من خالتها الفنانة الراحلة تحية كاريوكا التي غيرت أسلوب حياتها البسيطة، وارتقت بها للطبقة الأرستقراطية، كما عارضت بشدة دخولها المجال الفني حرصا على عدم خوض وتكرار ابنة أختها لتجربتها الصعبة.
لقد قادت الصدفة الجداوي لدخول عالم الفن، حيث كانت في يوم تتنزه مع جدتها في بإحدى الحدائق وبالصدفة وجدوا أن بالحديقة حفل يسمى "سمراء القاهرة" وجلسوا بالحفل حث كان يوجد أعضاء كثر بالمسابقة ومع ذلك لم تختر اللجنة أحد من الأعضاء وبالتالي لم يفز أحد فبدأت اللجنة تبحث بين الجمهور حتي يجدوا من تستحق أن تفوز باللقب، فوقعت عين اللجنة عليها وطالبوها بالصعود على خشبة المسرح وفوجئت بتسليمها وشاح "سمراء القاهرة".
توالت المسابقات، وكان من ضمن الحضور في مسابقة (القطن المصري) المخرج هنري بركات، حيث عرض عليها العمل معه بفيلم "دعاء الكروان" مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، كما كان أيضا من ضمن الحضور مصمم أزياء يوناني عرض عليها العمل في مجال عرض الأزياء، ومن هنا تبدأ مسيرة رجاء الجداوي بالعمل والنجاحات بمجال الفن وعرض الأزياء بوقت واحد.
لطالما تمتعت حياة عارضات الأزياء بالصخب: شهرةٌ، مال، أزياء فخمة، سفر حفلات وسهرات ومهرجانات…لكن للصخب والشهرة وجوه كثيرة ليست مضيئة دائما، كثيرا ما نسمع العارضات يتعرضن للتحرش والابتزاز الجنسي، وأخريات ينجرفن إلى عالم الإدمان.. الجداوي تعاملت مع هذه المهنة بجدية وبساطة ورصانة وثبات فأخذت شهرة واسعة بعالم الموضة في مصر والدول العربية، ثم اختارت توقيتا مناسبا للانسحاب من مجال الأزياء بعد زيادة وزنها، فتوقفت رحلاتها الدولية، واكتفت بالتمثيل، وحبذت الاستقرار الأسري فتزوجت حارس مرمى منتخب مصر الأسبق حسن مختار وأنجبت منه ابنة وظلت وفية له بعد رحيله.
لقد لمعت العديد من النجمات و سرعان ما تواروا عن الأنظار، لكن الجداوي ظلت صامدة وتقلبات الزمن والفن، ازدادت نجوميتها مع تقدمها في السن، هي بطلة في ألمع المسلسلات (رد قلبي، عائلة الحاج متولي، للعدالة وجوه كثيرة، حكايات بنات..)، ومساعدة بأهم الأفلام (حدوتة مصرية، البيه البواب، لاتبكي ياحبيب العمر، موعد مع العشاء..)، ومتعاونة مع الشباب وداعمة لتجاربهم الفيلمية الجديدة (سهر الليالي)، ومقدمة برامج "شطورة" وفق تعبير الإعلامي مفيد فوزي الذي امتدح قدرتها على إدارة الحوار مع الضيوف نيابة عن زميله الإعلامي عمرو أديب، بعد تغيبه عن البرنامج بسبب أزمة صحية كانت قد طالته.
إننا أمام امرأة عتّقتها التجارب، وقوفها على المسرح عشرات السنين بجانب الفنان عادل إمام أضاف لموهبتها وضاعف التزامها (أهمها مسرحتين :الزعيم، والواد سيد الشغال) ، أمام فنانة قُدوة تعكس الصورة التي ينبغي أن تكون عليها الفنانة من ثقافة، وأخلاقيات في التعامل واحترام الآخر وانتقاء العبارات، فهي متحدثة لبقة، أمام نموذج للمرأة المصرية العصامية التي تمتاز بالقوة منذ العصر الفرعوني وتنخرط في الحياة العملية، أمام شياكة تتجاوز مظهرها وتتماهى وجوهرها، فلم يخطئ رئيس الجمهورية حين خاطبها في احتفالية اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة السنة الماضية قائلا: "هتفضلي طول عمرك شيك جدًا، في كل شيء، وليس الملبس فقط".
رجاء الجداوي عُمر من العطاء والبهجة والمثابرة والإخلاص للعمل واحترام الجمهور والرقي الإنساني، رغم كونها لم تسعَ للنجومية المطلقة، ولم تتسم أدوارها بالتلوين و"الحربائية" والجرأة، فهي فنانة قنوعة فضّلت التواجد في منطقة آمنة، فحظيت بمكانة فريدة في قلوب المشاهدين، مكانة حميمية على الشاشة لا تُعوّض.
فيا "سمراء القاهرة "… قاومي محنتك كما قاومت دوما وعودي رجاءً!