طرقان وأبناءه يعيدون سحر الكارتون لجمهور قرطاج
فرصة نادرة منحها الفنان السوري/الجزائري طارق العربي طرقان مع أوركسترا من خمس وثلاثين عازفا وكورالا مصريا، بقيادة الفنان جورج قلتة، لجمهور قرطاج باختلاف أعمارهم لاستعادة طفولتهم وذكرياتهم البعيدة.
طرقان الذي أحيى سهرة الأربعاء 14 أغسطس 2019 بمهرجان قرطاج الدولي في إطار دورته الخامسة والخمسين هو رائد تترات الكرتون في العالم العربي، والجمهور الكبير الذي تابع عرضه جاء مدفوعا بالحنين إلى زمن ترك فيه صديقا على مقاعد المدرسة وكرة في ساحة الحي وسيارة صغيرة ضاعت إحدى عجلاتها في أحد رفوف الذاكرة وبطلا خارقا عاش في مخيلته البريئة لسنوات.
فنان تترات الكارتون الذي أعادت اكتشاف الفنانة المصرية اسعاد يونس في برنامجها الشهير "صاحبة السعادة"، وقدمته مع نفس الأوركسترا الذي يقوده جورج قلتة، فتحت له وأبناءه ديمة وتالة ومحمد باب تقديم الحفلات، وشكلوا حالة من السعادة والانتشاء على مدارج المسرح الروماني وكراسيه.
حالة لا تتكرر كثيرا حيث تعودنا أن تكون درجات الرضا والتقبل متفاوتة لدى متابعي العروض، لكن أن يقف الجمهور كله ويضيئ هواتفه في نفس اللحظة ويدق بأقدامه بفعل الحماس الذي تبعثه شارة مسلسل كرتوني للأطفال لا تتجاوز مدتها سبعين ثانية ويرددها مع طرقان وأبناؤه ـوأحيانا قبلهمـ هي فعلا حالة يعجز أمامها التعبير.
جيل الثمانينات والتسعينات وجيل قبلهما تابع مسلسلات الكرتون مع أبنائه وحفظها "سيمبا" و"سلاحف النينجا" و"بابار" و"ماوكلي" و"المحقق كونان" و"هزيم الرعد" و"السباق الكبير" و"دروب ريمي" و"أرغاي الفارس النبيل" و"فلة" و"كابتن ماجد" و"باتمان"… وعشرات الأغاني أسس بها طرقان مدرسة موسيقية جديدة في مجال أغنية الطفل كتابة ولحنا وغناء.
اعتمد طرقان على إعلاء مستوى الكلمة واللحن لرفع الإحساس بالمعاني النبيلة المضمّنة بالنص: الصداقة، المحبة، التعاون، المشاركة، الوحدة… وغيرها من القيم التي تدور في فلكها مسلسلات الكرتون على غرار: " فلتحذر أن تُغدر/ استخدم عقلك… وحدك عود غضّ وطري/ والجمع عصا لا تُكسر"… تأتي في قوالب لحنية يطغى عليها طابع الحماس وروح التفاؤل، نوتة تبدو في الظاهر سهلة وبسيطة لكنها متنوعة ومعقدة جدا تأتي في طابع السلّم الصغير الذي يعطي للحن عمقا وثراء كبيرين وينمّي الحس الأدبي لدى الأطفال وتدخل إلى قلوبهم سعادة لا توصف.
عندما تتابع ما حدث على مدارج قرطاج تكتشف أن الكبار لم يتركوا "سيمبا" و"ماوكلي" و"المحقق كونان" و"باتمان" وغيرهم من الأبطال الخارقين على عتبات طفولتهم البعيدة، مازالت تلك الحكايات تسكن دواخلهم وتسعدهم كسعادتهم بقطعة حلوى بعد درس طويل ومتعب.
طارق العربي طرقان وأبناؤه أصوات رنّت في مسامع الجمهور بإيقاع الحنين ودفء الذكريات، كانت العيون معلّقة على الشاشة الكبيرة خلف المسرح وبمجرّد التقاط عنوان المسلسل الكرتوني تسري موجة انتشاء في الصفوف ويشرعون في الغناء قبل نجوم العرض.
طرقان الذي وهب حياته وفنّه لإسعاد الأطفال على امتداد عقود واستدرج أبناءه الثلاثة لعالمه وقبلوا أن يكونوا خارج دوائر الضوء لزمن طويل أهداهم مهرجان قرطاج لقاء حميميّا بالجمهور، يؤكّد بما لا يدع مجالا للشك قيمة هذا الشكل الفني المتفرّد التي يصنعونه بحب وتفان كبيرين، كيف لا وقد حملوا هذا الجمهور من الشباب والكهول على متن مركبة فضائية سافرت بهم إلى زمن مضى في رحلة بطعم الحلوى.