نقد

طعم الأسمنت.. في انتظار انتهاء الحرب 

أينما تحل الحرب ترحل شركات البناء باتجاه مدن أخرى خرجت توا من أتون الحرب مدمرة.

كاظم مرشد السلوم 

انها لعبة الحروب وخفاياها، حروب تديرها شركات البترول والعقار والبنوك الدولية الكبرى، اللاعبون كبار تجار الحروب أدواتهم سياسيون مستعدون لبيع بلدانهم من أجل الربح المادي الكبير، بيادق اللعبة عمال لا حول لهم ولا قوة. 

الحرب الاهلية اللبنانية انتهت باتفاق الطائف عام 1980، لتذهب شركات البناء العملاقة الى بيروت لتعمر ما خربته الحرب، ولتدمر هي الأخرى الكثير من شواهد المدينة القديمة. 

العمال السوريون هم العمال الذين عمروا بيروت سابقا ويعمرونها الان، الفارق، في المرة الأولى كان بلدهم عامرا وبعيدا عن شبح الحرب، الان بلدهم تدمره الحرب، ويعملون في بناء مشاريع استثمارية لكبرى الشركات في بيروت، هي ذات الشركات التي ستذهب الى سوريا بعد انتهاء الحرب لتعمر ما خربته هي كأداة للاعبين كبار يطلق عليهم تجار الحروب. 

أويما 20 - Uima20 | طعم الأسمنت.. في انتظار انتهاء الحرب 

  يعد الفلم الوثائقي نوعاً تأسيسياً من الافلام التي انتجتها السينما منذ اكتشافها قبل اكثر من قرن من الزمان، فضلا عن كون الفلم الوثائقي احد اهم انواع الافلام التي لها مساس مع جوانب عديدة من حياة الانسان وواقعه المعاش، لان فلسفة الفلم الوثائقي تعتمد اساسا على الواقع واستنطاق حقائقه، أي عملية كشف الواقع للوصول الى اعماقه غير المرئية بشكل مباشر، من خلال معالجة العديد من المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية التي تعاني منها المجتمعات الانسانية، فعملية ابراز المسببات الحقيقية للمشاكل، وطبيعة الاماكن الحقيقية التي اشتملت على الافعال الواقعية، بكل ما تحمله من بساطة وتعقيد، سواء من خلال النقل المباشر لها، او اعادة تمثيل الحدث، أي بناء الوثيقة بظروفها الموضوعية القياسية، كل هذه سمات اساسية في بنية أي فلم وثائقي.

في فلمه الفائز بجائزة أفضل فلم وثائقي في مهرجان دبي السينمائي الـ14، زياد كلثوم يستعرض ضحايا الحرب والبناء، ضحايا الحرب معروف سبب معاناتهم، لكن ضحايا الاعمار هم ما يتناوله زياد كلثوم في فلمه " طعم الأسمنت ".

أويما 20 - Uima20 | طعم الأسمنت.. في انتظار انتهاء الحرب 

جرافات ودبابات أصوات الات البناء، عامل ينظر باتجاه البحر، ما الذي يعينه البحر لمن هو بعيد عن بلده وعن بحره، الاستلاب وعدم الاحترام ثمة يافطة تمنع العمال السوريين من التجوال بعد السابعة، لماذا؟ ما الخطر الذي يمكن ان يشكله عمال بناء؟ ام ان الخوف متأت من مجرد كونهم سوريين تدور في بلدهم حرب طاحنة، لا ذنب لهم فيها ولا ناقة ولا جمل كما يقولون، عمال أجبروا على الهروب او الهجرة من أتون الحرب ليعيلوا عوائلهم، التي أتى بعضها معهم وأخرى بقيت تحت وطأة نيران الحرب. 

يجسد زياد معاناة هؤلاء العمال من خلال مشاهد محزنة، الليل حيث الصمت، لا صوت سوى صوت ما يظهر على شاشات هواتفهم النقالة وهي تنقل لهم اخبار الحرب الجارية في بلدهم ومستوى الخراب الذي حل هناك. 

مثل أي عمال مستلبي الإرادة يلفهم الصمت، أكلهم علب السردين، الخضار البسيطة، أكل يدل على بؤس الحياة ومدى تقشفهم، أكل بطعم الأسمنت، ما دام كل شيء يحيطه الأسمنت، خراب الديار ونثار الأسمنت، وبناء الأبراج بالأسمنت، الايدي تنغمس في الأسمنت، تارة لتخرج ضحايا قصف من تحت الأنقاض، وتارة تخلط الأسمنت تمهيدا لصب خرسانات لبنايات ربما ستدمرها الحرب لاحقا، فلا بلد في هذا الشرق محصن من احتمال حصول حرب، تحرق النبات والحجر، فيملأ الجو طعم الأسمنت. 

أويما 20 - Uima20 | طعم الأسمنت.. في انتظار انتهاء الحرب 

لا تمتلك وانت تشاهد هذا الفلم الا ان تذهب بذاكرتك الى ويلات الحروب التي عشناها وما زلنا نعيش، خراب وتدمير يومي، حكام ينعمون بكل شيء، وشعوب ضحايا الحرب، لا يكتفى بعديد خسائرهم، بل ترفضهم بلدان العالم وكأنهم هم من أشعلوا الحروب، انهم منبوذون حتى لو كانوا بناة يتنفسون الأسمنت هواء ويتذوقونه طعما مرا.

ضحايا قد يكون طعم الأسمنت سببا لموتهم ولكنه لن يكون السبب الوحيد، فالبحر الذي ينظرون اليه قد اخذ الكثير منهم، ربما الى البر الاخر حيث الأمان، او الى أعماقه السحيقة التي قد يكون لها طعم الأسمنت هي الأخرى.

أويما 20 - Uima20 | طعم الأسمنت.. في انتظار انتهاء الحرب 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى