عمر الشريف.. الانطلاق نحو العالمية (4-4)
حسن حداد
العودة الى السينما المصرية
في هذه الفترة بالذات، أي في عام 1983، اختار عمر الشريف العودة الى القاهرة، والى الفن المصري أيضاً، وذلك ليقوم بدور المليونير المصري المشلول في فيلم (أيوب) التليفزيوني، والذي اختار قصته هو بعد أن أعدها نجيب محفوظ، ومن ثم أخرجها المصري الشاب هاني لاشين، في أولى تجاربه الإخراجية الروائية. إذاً يعود عمر الشريف للتمثيل في مصر، بعد كل هذه القطيعة، منذ آخر أفلامه المصرية (المماليك) عام 1965. علماً بأن الكثيرين قد اعتبروا هذه العودة بمثابة تأكيد للإفلاس الفني الذي يعيشه هذا الفنان العالمي، ولكن عمر الشريف يرفض هذا الاتهام بشدة ويعتبره مجرد دعاية مغرضة.
عموماً، ليس هذا هو المهم، المهم هو العودة بحد ذاتها، والتي جاءت من خلال التليفزيون وليست من خلال السينما، كما كان متوقعاً. يتحدث عمر الشريف في هذا الصدد، فيقول: (…لقد فكرت في الأمر ووجدت بأن التليفزيون يحظى بأغلبية ساحقة، فضلاً عن إنه يجمع العائلات في المنازل، ويقدم ـ وقتها ـ مستوى أرقى من مستوى السينما.
أما مسألة إسناد الإخراج لفنان مبتدئ، فقد اعتبرها البعض مغامرة محفوفة بالمخاطر. إلا أن عمر الشريف أعلن مستنكراً: (…إطلاقاً، فلابد للشباب أن يأخذ فرصته ويثبت وجوده، وهذه الفرصة من يعطيها له إلا نحن!! وهاني أخرج لي ثلاثة أفلام تسجيلية تتناول السياحة والآثار في مصر، وهو شاب له فكر وأسلوب يميزانه عن غيره…).
بعد فيلم (أيوب)، تأتي المصادفة لتجعل من أحلام عمر في إثبات وجوده عالمياً، واقعاً ملموساً، وذلك عندما تلقى عرضاً مغرياً للقيام ببطولة المسرحية الإنجليزية (الأمير النائم)، على مسرح "هاي ماركت" الذي يعد من أجمل مسارح العاصمة البريطانية. وقد قدمت هذه المسرحية من قبل، حيث قام ببطولتها إمبراطور المسرح البريطاني الممثل الراحل "لورنس أوليفيه"، واستكمالا لنجاح المسرحية، تم إنتاجها في فيلم لعب فيه "أوليفيه" دور البطولة أمام فاتنة السينما "مارلين مونرو".
لقد تردد عمر في البداية بقبول هذا الدور، إلا أنه تراجع تحت إصرار المخرج، ورصده لتجربة زميليه "يول براينر" في مسرحيته (الملك وأنا)، و"أنتوني كوين" في تجربته المسرحية (زوربا اليوناني). عندها أدرك عمر بأن هذه الفرصة مثالية، لكي يثبت للجمهور كفاءته كممثل من جهة، ومن جهة أخرى ينقذ نفسه من الانهيار ويتخطى مرحلة الضياع والوحدة.
فنجح عمر الشريف ونجحت المسرحية، فلا يكاد يمر يوم إلا ويكون الحديث عن الإثنين حافلاً بالإعجاب والتقدير من قبل المتفرجين، كما إن الصحافة البريطانية والعالمية والعربية أيضاً، قد أنصفت عمر في النجاح الذي حققه عبر هذه المسرحية، فكتبت عنه الكثير وأضاءت له شموعاً جديدة في عالم الشهرة والنجومية. وعندما تحدث عمر عن هذا النجاح، فقال: (…لم أقبل الدور سعياً وراء شهرة.. ما كنت أبحث عنه هو رضى النفس عن النفس…).
وقد استمر عرض المسرحية أكثر من ستة أشهر، كانت بمثابة عودة الروح لهذا الفنان، بعد قيامه بالتمثيل في العديد من الأفلام غير الناجحة، باعتبارها جاءت عن غير اقتناع تام. يتحدث عمر عن هذه الأفلام، فيقول: (…لقد أعطتني الأفلام السيئة حياة جيدة، ولكن الأزمة التي قامت إنما كانت بيني وبين نفسي.. لقد كرهت نفسي بسبب تلك الأفلام، لذلك انطلقت وراء الليل وميادين السباق وطاولات البريدج، على أمل أن يؤدي كل هذا الى يقظة الطموح في أعماق نفسي، وعندما جاء عرض المسرحية قبلت به وأنا أدرك تماماً ما أنا مقبل عليه.. إنها مسرحية مرحة لا تحتاج الى الكثير من الذكاء أو التذاكي. لقد جعلتني هذه المسرحية أشعر بأنني قد استعدت شبابي، وقلبت موازيني، فما عدت أحب لعب البريدج ولا التردد على ميادين السباق…).
بعد ذلك، أي في النصف الثاني من عقد الثمانينات، اشترك عمر الشريف في عدة أعمال فنية، مثل قيامه بدور آخر قياصرة روسيا في الفيلم التليفزيوني (ناتاشيا)، ثم قيامه بدور أحد الكهنة المقربين لأحد قياصرة روسيا في فيلم (بطرس الأكبر) الذي أنتجته محطة التليفزيون الأمريكي "إن.بي.سي" وتكلف إنتاجه ستة وثلاثين مليون دولار.
وفي عام 1989، عاد عمر الشريف الى السينما المصرية ليقوم ببطولة فيلم (الأراجوز)، الذي أثبت فيه بأنه مازال النجم "عمر الشريف". فقد لاقى هذا الفيلم نجاحاً فنياً وجماهيرياً، واستقبلته المهرجانات بشكل يليق به، حيث حصل على الجائزة الثالثة مع شهادة تقدير لعمر الشريف في مهرجان فالنسيا الدولي في أسبانيا.. كما حصل ـ قبل ذلك ـ على الجائزة الأولى مناصفة مع جائزة خاصة لعمر في مهرجان الإسكندرية السينمائي.
الى هنا نكون قد وصلنا الى ما وصل إليه عمر الشريف في مشواره مع النجومية، منذ ظهوره كفتى أول في السينما المصرية، ثم انطلاقته الى السينما العالمية، حتى رجوعه ـ مرة أخرى ـ الى السينما المصرية.