عن المهرجانات وصناعها (2-2)
مصطفى الكيلاني
لا أجد أي غضاضة في الحديث عن لجنة المهرجانات التي لا يمكن أن تكتسب صفة الموضوعية والحياد، ويسافر أعضاءها على حساب الفعاليات التي يجب عليهم تقييمها.
ولم نجد طوال سنوات، وبالتشكيلات المتعاقبة لتلك اللجنة أي دور حقيقي في تقويم المهرجانات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكتب تقريرا سيئا في مهرجانا يقدم لك سفريات مجانية، ورحلات ترفيهية، وإقامة فاخرة، وحتى لو كتب عضو لجنة المهرجانات تقريرا يدين فيه تصرفات مسؤولي الفعاليات، فلن يحدث أي شيء، لا المهرجان سيعدل سياساته، ولا اللجنة عندها القوة لفرض آليات عمل محترمة على مسؤوليه.
ذكر أعضاء سابقين في اللجنة أنهم كتبوا عشرات التقارير، التي رصدت مخالفات واضحة في تلك المهرجانات، لكن رغم مرور سنوات، إلا أن تلك التقارير لم تناقش، ووجدت مكانها في أدراج اللجنة بجوار سابقيها.
أزمتنا الحقيقية أن صناعة المهرجانات أصبحت بيد أشخاص لا يقدرون على فتح عقولهم خارج صندوق "العزومات"، يبحث البعض عن الوجاهة، ويبحث الكثيرون عن السفريات، فتجد في حفل الختام أن 90% من صناع الأفلام غير موجودين لاستلام جوائزهم، رغم أن وزارتي الثقافة والسياحة تتحمل تكلفة أكثر من 200 تذكرة طيران خارجي، ولكن لأن مسؤولي المهرجان يرون أن دعوة صناع الأفلام ترف لا يملكونه، لأن تذاكر الطيران والغرف محجوزة لمن سيقدم في المقابل دعوة لمهرجانه، أو لفريق الجمعية والمؤسسة التي تنظمه، والتي تحصل بمفردها على نصيب الأسد.
لا ينتهي الأمر حول دعوة الضيوف فقط، ولكن يتعداه إلى بدلات السفر، فجزء من ميزانية تلك المهرجانات لا يتم صرفه في المهرجان، ولكن تتأخر أجور العاملين والمشاركين في الندوات والنشرات والورش لشهور، مقابل أن يتم صرف بدلات أثناء السفر لمهرجانات أخرى، فلا يحصل المسؤول على أجره فقط، ولكن يحصل أيضا على أجر إضافي، يصل إلى ضعف راتبه، مقابل الفسحة في بلدين أو ثلاثة شهريا.
والمهم أن كل هذا يتم بشكل قانوني، فالجهة المسؤولة عن مراقبة أموال المؤسسات والجمعيات التي تنظم مهرجانات هي وزارة التضامن الاجتماعي التي ليس لها أي علاقة أو معرفة بتفاصيل العمل الفني عموما، ووزارة الثقافة لا يهمها سوى تقفيل الدفاتر، ولا تناقش مسؤولي المهرجان في أي خطأ حدث.
فمهرجان عرض أفلامه في قاعة أفراح، وتوقفت العروض في أحد الأيام بسبب أن القاعة محجوزة لفرح، وآخر يكرر نفس الورش سنويا بنفس تفاصيلها، ويدعي في أوراقه أن أبناء المدينة يشاركون فيها، ولا تجد هؤلاء الذين درسوا في تلك الورش ضمن جمهور المهرجان في أي وقت، فالقاعات فارغة رغم مرور سنوات على بدء فعالياته.
وثالث يغير مديره كل عام بسبب أن أحدهم يعبث بأي محاولة محترمة لصناعة مهرجان جيد، فتخرج الفعالية بشكل ضعيف، وكل عام يتهم الفريق الذي صنع كل جهده لعمل شيء محترم بالفشل، وتتغير وجهة المهرجان كل عام، ويتغير فريقه ومعظم العاملين به، ووزارة الثقافة تدعم.
المهم لدي أي مهرجان هو رفاهية أعضاء لجنة المهرجانات وموظفي وزارة الثقافة، والضيوف الذين سيردون الدعوة، ليس لديهم أي رغبة في الحديث حول نوعية الأفلام، أو جودة العروض، أو حتى نوعية الندوات، أو عمل ورش جيدة المستوى، أو ربط المهرجان مع أبناء المدينة المقام بها، المهم فقط هو الاستفادة اللحظية.
نحن على أبواب بدء مهرجانات جديدة، خلال عام 2020، وسيتم إفسادها بنفس الطريقة من المسؤولين الرسميين، فلا هم يريدون فتح الباب أمام أشخاص يعرفون ماهية صناعة المهرجانات، ولا هم يريدون كشف الفساد المتسترين عليه منذ سنوات طوال، ويدعون أن النجاح الذي حققه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بسبب التمويل الكبير، لاغين فكرة أن نجاحه بسبب التخطيط الجيد والتفكير المنظم لصناعه.
نموذج مهرجان القاهرة السينمائي، يخيف العديدين، فرغم أنه مهرجان تنظمه الدولة، لكنه ناجح ومميز، وقادر على كسب نجاحات أكبر كل عام، وهو نجاح كاشف لباقي الفعاليات الفنية المصرية، سواء سينمائية أو مسرحية أو موسيقية، من حيث التنظيم الجيد، والبرنامج الفني المتميز، وتراكم الخبرات لدى صناعه، وهو ما لا نجده في فعاليات أخرى.