عن ثنائية القهر/التمرد في أفلام المخرج عاطف الطيب (1-6)
حسن حداد
تقديم
بعد العرض النقدي لجميع أفلام المخرج عاطف الطيب، كل على حدة، بقي أن نقوم بدراسة تجربة هذا المخرج السينمائية، والبحث عن رؤية إبداعية فنية جسدها في أفلامه، نناقش من خلالها ما قدمه هذا المخرج من أفكار ومضامين، كانت ـ بالطبع ـ سبباً لشهرته كمخرج، وبروزه كفارس مغامر من فرسان السينما المصرية الجديدة.
ولكي نفعل ذلك قمنا بعمل جدول (بيبلوغرافي) لمجمل أفلامه السينمائية، يشمل أهم عناصر العمل السينمائي (الموضوع، السيناريو والحوار، زمن الحدث، مكان الحدث، الإخراج والعناصر الفنية والتقنية الأخرى). واعتمدنا كثيراً على هذا الجدول في دراسة كل عنصر على حدة، وخرجنا بتصورات صارت أساساً لهذه الدراسة.
أولا: الموضوع
ينحصر اهتمام عاطف الطيب، في اختياره لمواضيع أفلامه، في ثنائية واحدة محددة، ألا وهي ثنائية: القهر/ التمرد.. قهر السلطة والقانون والمجتمع/ التمرد والرفض من الفرد تجاه السلطة والمجتمع. فقد كان عاطف الطيب حريصاً على أن يقدم أفلاماً تسعى دائماً إلى الصدق الفني وتتطرق إلى مشاكل الواقع، وتهتم بالمواضيع التي تعبر عن الإنسان البسيط.. الإنسان المحاط بظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية معيشية صعبة غير آمنة.
وما أراده عاطف الطيب، قد وجده عند كتاب السيناريو الأكثر بروزاً في الوسط السينمائي (وحيد حامد = 5 أفلام ـ بشير الديك = 4 أفلام ـ أسامة أنور عكاشة = فيلمين ـ مصطفى محرم = 3 أفلام)، وهم كتاب اشتركوا مع عاطف الطيب في طرح نفس الهموم والمشاكل التي تهم المواطن البسيط وتعالج قضاياه الحياتية اليومية.
وإذا استعرضنا أمثلة من أفلام الطيب، تجسد هذه الثنائية، فسنجد مثلاً، بأن فيلم (البريء) يجسد ذلك القهر الذي تمارسه السلطة من خلال استغلالها لجهل المجند العسكري في تنفيذ الأوامر. هناك أيضاً فيلم (الزمار) حيث الحجر على الآراء والأفكار من قبل السلطة. أما فيلمي (التخشيبة) و(ملف في الآداب) فهما إدانة واضحة للقوانين والإجراءات الحكومية الروتينية، والتي تتسبب في كثير من الأحيان في فقد الإنسان لآدميته. هذا من ناحية قهر السلطة والقانون.
أما بالنسبة للقهر الاجتماعي، فهو بارز بشكل واضح في أغلب أفلام الطيب. فمثلاً، فيلم (سواق الأتوبيس) يشكل علامة بارزة في رفضه لذلك التغيير المفاجئ في العلاقات الاجتماعية والأخلاقية في عصر الانفتاح. هناك أيضاً فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) الذي ناقش مشاكل الشباب المصري في الثمانينات، وبالتحديد شباب الطبقة المتوسطة، الذين يعيشون أزمات هذا العصر.. أزمات مثل السكن والعادات والتقاليد. كما يناقش موضوعاً حساساً جداً يعاني منه الشباب العربي بشكل خاص، ألا وهو موضوع الجنس، وجميعها مسببات للقهر الاجتماعي، الذي يعرقل كافة الطموحات المستقبلية للشباب. أضف إلى ذلك الفساد الاجتماعي في فيلم (ضربة معلم)، والممارسات الخاطئة في المجتمع في فيلم (الدنيا على جناح يمامة) يعدان من عناصر القهر الاجتماعي الذي نبحث فيه.
أما فيلم (الهروب) فهو النموذج الأمثل لنقد الكثير من الممارسات الخاطئة التي يعيشها الواقع المصري والعربي بشكل عام. فهو يتطرق ـ بالتحديد ـ لتلك الجراح الغائرة في حياتنا – من عنف وتطرف وإرهاب وغيرها، مؤكداً بأن بعض هذه الممارسات قد ساهم الإعلام وبعض أجهزة الدولة في تكريسها وانتشارها.
في المقابل يبرز الجزء الآخر من الثنائية (الرفض والتمرد) في نهايات أفلام الطيب، باعتبارها النتيجة الحتمية للقهر، ويتبين ذلك في المشهد الأخير لفيلم (سواق الأتوبيس) الذي يشكل تحدياً لتلك التغيرات الاجتماعية والأخلاقية، والتأكيد على مواجهتها. وكذلك في فيلم (الحب فوق هضبة الهرم) عندما أصر بطلا الفيلم على محاكمتهما، ليتمكنا من فضح كل تلك الصعوبات والإحباطات التي يتعرض لها الشباب.
وهناك أيضاً المتهمات في فيلم (ملف في الآداب) اللاتي لا يكتفين بالبراءة، ويطلبن من المحكمة توفير الأمان الاجتماعي العادل، حيث أن البراءة القانونية شيء، وصفاء السمعة الاجتماعية واستمرار اتهام المجتمع ـ الذي سيظل سيفاً مسلطاً على رقاب الأبرياء إلى مالا نهاية ـ شيء آخر. وأفلام (التخشيبة) و(الزمار) و(البريء) و(كتيبة الإعدام) و(الهروب)، جميعها أفلام تؤكد على رفض الظلم السياسي والاجتماعي، وإن كان هذا التأكيد يأتي بشكل فردي ومباشر أحياناً.. فردي في أفلام مثل (سواق الأتوبيس ـ الحب فوق هضبة الهرم ـ الهروب ـ ملف في الآداب ـ الزمار). ومباشر في أفلام مثل (التخشيبة ـ البريء ـ البدرون ـ ضربة معلم ـ كتيبة الإعدام ـ ضد الحكومة).