عن فن الإلقاء وفن الممثل
محمود عبدالشكور
ما يزعجني فعلا أن يكون هناك ممثلون موهوبون جدا، صوتهم سليم تماما ومسموع، ولكنهم ينطقون القاف كافا، وتسمع منهم حرف السين فيبدو أقرب الى حرف الجيم، وتندلق الكلمات من أفواههم بدون توقف، فيفقد نطق اللغة العربية إيقاعه ومذاقه.
بل إن بعض الكلمات تنطق غير مكتملة الحروف، ويعضهم تحس أنه يلقى الحوار باللغة العربية، ولكن بإيقاع ولكنة النطق الإنجليزي، وكأن الحوار كتب للممثل بحروف لاتينية، أما الأسوأ فهو أن تكون الموهبة لصبي أو صبية يتمتع أو تتمتع بإحساس عظيم، وذكاء ممتاز، ولكنهم اكتفوا بذلك، فأحضروا الموهبة من المدرسة الى الأستوديو مباشرة، وتركوها تثرثر فلا تفهم منها حرفا، يعلو صوتها ويهبط حسب الإرسال، ودون أن علاقة بمعنى الحوار.
أما تقطيع الجمل فلا وجود له، وكأن الطفل يتخلص من الحوار، فاذا اعترضت قيل لك إن ذلك هو الأداء الطبيعي، بينما هو في رأيي خلل في الأداء والإلقاء، لأنه لا يجب أن نحتاج الى مترجم، ونحن نستمع الى ممثلين يتحدثون اللغة العربية.
مرة أخرى، أنا لا أتحدث عن مشاكل الصوت، وإنما عن فن الإلقاء، سعاد حسنى قبل أن تظهر في فيلم "حسن ونعيمة " خضعت لدروس إلقاء ولغة عربية قام بها إبراهيم سعفان، وهو نفسه الفنان الكوميدي فيما بعد، وكان مدرسا للغة العربية، وطلبة معهد السينما والفنون المسرحية كانوا يدرسون مادة الإلقاء على يد الفنان عبد الوارث عسر، الذي وضع كتابا شهيرا عن فن الإلقاء، صدرت منه مؤخرا طبعة جديدة عن هيئة الكتاب.
من النادر ن نجد ممثلا من زمن الأبيض والأسود، مهما كانت نوعية أدواره، عنده مشاكل في الإلقاء، بما في ذلك نجوم الكوميديا، بل إن فؤاد المهندس من أعظم الممثلين إلقاء، يخرج اللفظ من فمه فخيما واضح الحروف والنبرات، ويمكن أن يستفيد بإلقائه الطلاب الأجانب الذين يتعلمون اللغة العربية، وحتى شويكار الجميلة التي كانت تتلاعب بالحروف في أدوار معينة متفرنجة (خواجاية أو تركية)، كان نطقها رائعا وواضحا وسليما، عندما تظهر في شخصيات عادية.
لم يلحق جيلنا الكتاتيب القديمة التي كان تقوّم اللسان، ولكن كانت هناك دروس القراءة الشفوية في المدارس، وكان المدرس يجعلنا نقرأ النص بصوت عال ومسموع، ويجعلنا نعيد القراءة بفهم، أي أن يعبر تقطيع الجملة عن المعنى، تعلمنا أن "الإلقاء ترمومتر الفهم"، فإذا لم نضبط الإلقاء، فمعنى ذلك أننا نقرأ بلا فهم، وتعلمنا أن نخرج ألسنتنا في حروف الثاء والذال والظاء، وأن نتشرب إيقاع النطق باللغة العربية.
بمناسبة إخراج اللسان في حروف معينة، فقد لاحظت أن أصدقائي الأسبان يخرجون ألسنتهم وهو ينطقون الثاء، ولعلها من آثار اللغة العربية على ألسنتهم. الآن لا أعتقد أن دروس القراءة موجودة، ولعل هذا الغياب من أسباب الكارثة التي نراها ونستمع إليها، من ناحية أخرى، لا أعرف بالضبط هل تدرس كورسات وورش التمثيل فن الإلقاء أم لا؟
الحقيقة أن النتيجة التي نراها تقول إن المخرج نفسه قد لا يعرف معنى الإلقاء، وإلا استوقف الممثل أو الممثلة، وأصر على التدريب اللغوي قبل التمثيل، أو لعل المخرج يعرف، ولكن لا يوجد لديه وقت، لأنه يجب إنجاز المسلسل وتعليبه، أو لعله يعتبر الإلقاء عنصرا ثانويا، ويعنيه فقط أن يعرف الممثل كيف يصرخ ويبكي، دون أن نفهم منه حرفا، وكأننا عدنا الى عصر السينما الصامتة، التي كنا نرى في أفلامها حركة شفاه الممثل، دون ان نسمع صوته، ولكننا كنا على الأقل نقرأ الحوار مكتوبا على لوحات.
والله العظيم لا يوجد ممثل جيد بدون إلقاء جيد، الإلقاء قبل التمثيل دائما، هذا بالضبط مثلما تتعلم مهارات كرة القدم الرئيسية أولا، ثم تلعب مباريات ضمن فريق، وليس أن تمثل أولا ثم تتعلم الإلقاء!!!
بدون مهارة الإلقاء، فإن الممثل يشبه لاعب كرة تائه في الملعب، لأنه لا يعرف أصلا كيف يسدد الكرة أو يمررها أو يستقبلها أو يلعبها برأسه، شيء يدعو للرثاء.