قراءة في أفلام الدورة 21 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة.. هل كانت الجوائز منصفة (1-3)
عبدالكريم واكريم
اختتمت فعاليات الدورة 21 للمهرجان الوطني بطنجة بحفل توزيع الجوائز والتي جاءت في أغلبها منطقية ومنصفة مع بعض الاستثناءات في المسابقات الثلاث للمهرجان، مسابقة الفيلم الروائي الطويل، ومسابقة الفيلم الروائي القصير ومسابقة الفيلم الوثائقي التي تم إحداثها لأول مرة. وفي التالي قراءة للأفلام الفائزة في صنف الروائي الطويل وبعض من الأفلام القصيرة.
"السيد المجهول" لعلاء الدين الجم. فيلم أول ينافس بقوة
يتمحور فيلم "السيد المجهول" لعلاء الدين الجم الفائز بجائزتي العمل الأول والإنتاج حول حكايات تَصُبُّ كلها حول محور ضريح "السيد المجهول"، فهنالك الحكاية الأساسية للص (يونس البواب) الذي يعود لاستخراج مسروقاته التي خَبَّأها في مكان فوق التَّلة وموّهَ عليها بقبر كاذب ليجده بعد عودته وقد صار ضريحا لِوَليّ صالح تُرجَى بركاته من طرف سكان القرية المؤمنين بالخوارق وبركات الأولياء. ثم الحكاية الثانية لطبيب شاب يُعيَّن في مستشفى القرية ليتفاجأ بزيارات نساء فقط اللذين يشتكين من أمراض وهمية ليعطيهن باستمرار نفس الدواء لكل تلك الأمراض. أما الحكاية الثالثة فتجري داخل فضاء حانوت حلاق القرية الذي يؤمن ببركات السيد المجهول ويتصرف مع زبنائه على حسب هذه القاعدة.
اعتمد علاء الدين الجم في فيلمه " سيد المجهول" على الكوميديا السوداء وكوميديا الموقف لانتقاد المعتقدات والأفكار البالية والتي تخلط بين الدين والشعوذة وتُؤمن بقدرة الموتى على التأثير في حياة الناس والعباد. وفي المسارات الثلاث نجد هذا الأسلوب الذي يبدو أكثر ظهورا في قصة ومسار الطبيب الشاب. قد يعتبر البعض أن فيلم "سيد المجهول" فيه إساءة للأناس البسطاء وتشهير وسخرية من معتقداتهم لكننا وبالمقابل نظن أن الفيلم يسخر من هذه المعتقدات ويضعها موضع تساؤل ولا يسيء نهائيا للناس البسطاء.
جائزة لجنة التحكيم لفيلم "اللكمة" التجاري
فيلم "اللكمة" للمخرج محمد أمين مونة الذي كان من بين المخرجين الشباب الواعدين بأفلامهم القصيرة والآتي من "مدرسة " السينما الهاوية، بَشَّرَ بقدوم سينما تجارية تحترم أبجديات الكتابة الدرامية لكن دون طموح فني كبير، لكن يمكن اعتبار التجاوب الذي لقيه من جمهور قاعة سينما "روكسي" مؤشرا واضحا لكون الفيلم سيلقى رواجا تجاريا وإقبالا جماهيريا كبيرا حين نزوله لقاعات العرض السينمائي التجارية. نجد بالفيلم ذو الطابع الميلودرامي القريب من الأفلام التلفزية كليشيهات تَتَّخذ لها كمرجعية إلى حدود النقل المباشر من سلسلة أفلام "روكي" لسيلفستر ستالون خصوصا الجزء الأول من هذه الأفلام وهنالك عديد من لحظات "اللكمة" مستوحاة منه. فهو عبارة عن قصة ملاكم فقير يصعد من القاع إلى نجومية الشهرة ويرافقه مدرب يلعب دوره بتميز الممثل طارق بخاري رغم أن الشخصية تتشابه لحد التقليد مع نفس الشخصية في "روكي"
الفيلم فاز وبصورة مفاجئة بجائزة لجنة التحكيم إضافة لجائزتي المونتاج والموسيقى.
"نساء الجناح.ج" لمحمد نظيف المرأة في انهيارها العصبي. فيلم محترم يخرج خاوي الوفاض
يستعرض فيلم “نساء الجناح ج” للمخرج محمد نظيف حالات نفسية لمجموعة من النساء نزيلات مصحة نفسية، ففيما تعرضت واحدة للاعتداء الجنسي من طرف والدها ليتم تكذيبها في المحكمة من طرف أمها التي رغم علمها بما يقوم به زوجها اتجاه بناته تستر عليه خوفا من الفضيحة لتتطور حالة الشابة المراهقة رافضة أنوثتها ومتحولة في شكلها وحركاتها وأسلوب تعاملها الشرس والعنيف لِذَكَر وكأنها تُعَوِّضُ بذلك عن العنف والاغتصاب الذكوري الذي مارسه عليها من كان أقرب الناس إليها ومن المفترض أن يكون حاميا لها ومحتضنا لانكساراتها.
الحالة الثانية لأم فقدت طفلها ذو الثماني سنوات في حادثة سير جرت أمام عينيها، وإثر ذلك دخلت في حالة من الاكتئاب والانزواء الذاتي وصل بها إلى محاولات للانتحار. أما الحالة الثالثة من ضمن الحالات التي ركز عليها المخرج أكثر من باقي الحالات النفسية النزيلة في المصحة فلفتاة مثقفة تنتمي لأسرة ميسورة قرَّرت أمها تزويجها من أجل مصلحة مادية رغم رفض الفتاة لهذه الزيجة الأمر الذي سبب لها في مرض نفسي كرهت على إثره أمها وأصبحت ترفض لقاءها أو الحديث معها.
ومما يميز فيلم “نساء الجناح ج” هو ذلك الأداء المتفوق لكل الممثلات ابتداء من جليلة التلمسي مرورا بسناء الحضرمي ثم إيمان المشرفي وصولا للممثلة الشابة ريم فتحي القادمة بقوة للمشهد التمثيلي في المغرب بأدائها لدور الفتاة المراهقة التي تعرضت للاغتصاب من طرف والدها، ويحسب للمخرج أنه استعان في أدوار مساندة حتى لا أقول ثانوية بممثلات أثبتن جدارتهن في السينما المغربية كنسرين الراضي وفاطمة عاطف اللتان أثبتتا مرة أخرى أنه ليس هناك دور كبير ودور صغير بل ممثلة كبيرة وممثلة صغيرة.
من نافل القول أن السينما المغربية تناولت قضايا نسائية بكثرة إذ أن مخرجين ومخرجات مغاربة تطرقوا في أفلامهم من زوايا متعددة وبرؤى مختلفة لتيمات نسائية أو نسوية، بل إن هنالك ما يسمى موجة السينما النسائية التي واكبت تعديل مدونة الأسرة خلال بداية الألفية الجديدة والتي تدخل ضمن عدة موجات من بينها موجة الاعتقال السياسي على الخصوص. ويمكن لنا القول إن فيلم محمد نظيف “نساء الجناح ج” يأتي برؤية مختلفة وطرح فني لم يسبق أن شاهدناه ضمن الأفلام المغربية التي تناولت تيمات نسائية.