“قصة حب” مغامرة جميلة تكتب شهادة ميلاد سيناريست جديدة
محمد كمال
قصة حب (حازم) و (ياسمين) في (السلم والثعبان) كانت تقليدية لكن تعلق الجمهور وقتها بالفيلم جاء بسبب (خلطة) سينمائية فنية جاء في مقدمتها المخرج وصاحب القصة طارق العريان، لكن بطلها الحقيقي كان السيناريو والحوار شديدا التمييز لمحمد حفظي (أول فيلم له)، فقد قدم قصة حب عادية بين الصعود والهبوط في العلاقة بين حبيبين، لكن بتفاصيل جديدة وحوار بارع.
تذكرت هذا الفيلم بمجرد الانتهاء من مشاهدة فيلم (قصة حب) حيث التشابه الذي جمعهما في هذه التفصيلة، قصة حب عادية جدا تواجه المرض، صحيح تيمة مكررة، لكن في هذا الفيلم كانت بتفاصيل غير تقليدية، تخللها حوار مميز شديد الإتقان، رشيق، يحتوي على خط كوميدي في مواقفه وإيفهاته، ينذر بموهبة عظيمة تمتلكها كاتبة السيناريو والحوار (أماني التونسي) في أول أعمالها.
نجحت أماني التونسي باقتدار في تقديم قصة حب مفعمة بالحياة والأمل والكوميديا، شديدة القرب من الواقع بعيدا عن الإطار النمطي الممل لقصص الحب في هذه النوعية من الأفلام، التي أصبحت أقرب للقوالب الثابتة، حيث اللوعة – الإعجاب- المبالغة في الهجر- الخصام– الغيرة، لكن في (قصة حب) نجد أن البناء الدرامي التصاعدي لقصة الحب في هذا الفيلم جاء رائعا، من خلال التمهيد لشخصين (يوسف) و(جميلة)، يشتركان في بعض التفاصيل مثل العزوبية- رغبة الأهل والأصدقاء الملحة في الزواج – الوحدة بعض الشيء – التحقق المهني – الذهاب الى نفس الكافيه، وأخيرا الإعاقة والمرض.
المهندس يوسف يصاب بعمى مؤقت نتيجة حادث سير، ويتعرف على جميلة عن طريق الصدفة، يجمعهما الحب، لتبدأ بعدها رحلة تبادل الأدوار في مواجهة المرض.. قصة حب عادية في الحياة لكنها غير تقليدية على شاشة السينما.
مغامرة جديدة جميلة، تحسب لكل من شارك فيها، بداية من الرهان على الشباب أحمد حاتم وهنا الزاهد كنجوم شباك، صحيح أن حاتم كان له تجارب سابقة في البطولة المطلقة مثل (لمح البصر) و(الهرم الرابع)، لكنه مؤخرا اعتمد على التواجد في البطولات الجماعية أكثر، عكس هنا الزاهد التي يتم الرهان عليها للمرة الأولى.
ثانيا اختيار اسم فيلم شائع، سبق أن قدم في السينما الأمريكية من قبل، وثالثا تيمة (الحب يواجه المرض)، وهى سبق أن قدمت في العديد من الأفلام، رابعا دور الكفيف والصورة النمطية التي ظهر بها في معظم الأفلام المصرية، لكن صناع فيلم (قصة حب) لم يقفوا كثيرا أمام تلك التفاصيل، وقرروا خوض مغامرتهم مستغلين امتلاكهم منظور جديد، وتفاصيل غير تقليدية، تكون سد منيع، تضمن تقديم وجبة سينمائية طازجة في أمرين: الأول: في البناء الدرامي والسردي لقصة حب يوسف و جميلة، والثاني: الصورة المبتكرة التي ظهرت بها شخصية (الكفيف) التي كسرت معها التابوهات النمطية و لم تقع في فخ المواقف المكررة.
نجح المخرج عثمان أبولبن في تجربته الأفضل سينمائيا في تقديم فيلم متماسك، حافظ على إيقاعه على مدار الأحداث، والتنقل في تفاصيل العلاقة بين يوسف وجميلة المتدرجة، فقد اعتمد في بداية الأحداث على اللقطات القصيرة القريبة من الأبطال، وأخذ في اتساع لقطاته شيئا فشيئا، كأنه يسير في التدرج مع الغوص في تفاصيل قصة الحب، وبعدها يفرط في استخدام الكاميرا الطائرة مع وصول الحب الى ذروته.
نجح أبولبن أكثر في قيادته للممثلين، فأحمد حاتم موهبة تمثيلية كبيرة وقعت أسيرة مثل صديقاه (كريم قاسم وعمرو عابد) تحت مظلة نجاح تجربتهم الأولى (أوقات فراغ)، وبرغم مرور 13 عام على الفيلم قدم خلالهم الثلاثي نجاحات كبيرة، لكن تظل لعنة التجربة الأولى تحاصرهم، وفي (قصة حب) تألق أحمد حاتم في تقديم شخصية (الكفيف) بشكل جديد بعيدا عن الشكل التقليدي.
يوسف شاب مرح خفيف الظل دائم السخرية ليس من المرض فقط، بل ومن حبيبته أيضا، ونفس الحال ينطبق على (هنا الزاهد) التي تقدم أفضل أداء منذ ظهورها على الساحة، فلم تقل (جميلة) في تلقائيتها وخفة ظلها عن يوسف، فقد كان حضور وأداء الثنائي مميز جدا.
نفس الحال كان (ياسر الطوبجي) فاعتبره كوميديان ضل طريقه لفترة، لكنه عاد في هذا الفيلم ليذكرنا بوجود موهبة ممثل لم يخرج كل ما في جعبته، ولايزال امامه الكثير، وأتمنى ان يكون قصة حب بداية لتصحيح المسار.
الموسيقى التصويرية لأشرف محروس كانت إضافة مهمة للفيلم، برغم قلة أعماله، لكنه يظل من أهم الموسيقيين في مصر، وأفضلهم في توظيف البيانو، واعتمد محروس على موسيقى الفيلم في توزيع الأغنية الدعائية التي قدمتها (كنزي تركي)، صاحبة صوت جميل قوى ينذر ايضا بنجمة مستقبلية في الغناء، لتكمل تابلوه المغامرة الجميلة.