“لعبة نيوتن” هل ما زال متفوقاً حتى الآن؟
سمو حسام الدين
مسلسل “لعبة نيوتن” الذي عرض سنة 2021، من بطولة منى زكي ومحمد ممدوح ومحمد فراج وآدم الشرقاوي، وفاز بجائزة إي تي بالعربي لأفضل الأعمال الرمضانية، وأفضل مسلسل دراما مصري. بعد سنتين من عرضه الأول هل تفوق عليه أي عمل درامي جديد؟
الإجابة على هذا السؤال ستحدد نوعاً ما إذا ما كانت الدراما في صعود أو لا؟
ومن اللافت أن العنوان والاسم الذي حمله العمل لم يتم التطرق له في العمل، ولم يتم تقديم تفسير مباشر له، ومن هنا يبدأ إعمال عقل المشاهد وإشراكه في العمل.
“لعبة نيوتن” هي لعبة الأفعال وما يقف خلفها من مشاعر وأفكار، فلكل فعل رد فعل مضاد، ولكل شخص قوة محركة دفعته للفعل بعد أن أججت ما فيه، وحركت السطح الراكد وأظهرت الجمر المتوقد تحت الرماد.
إن أكثر ما يعلي قيمة العمل هو عدد القضايا الشائكة التي تعرض لها بسلاسة وبدون أحكام على شخصياتها:
1 – السفر لأمريكا والحلم بالجنسية الأمريكية.
2 – الطلاق الصوتي.
3 – قوانين الغرب ومصادرتهم الأولاد من أهلهم.
4 – قضايا النسب.
5 – الاغتصاب الزوجي.
6- امرأة تجمع الزواج برجلين في نفس الوقت.
7 – حب امرأتين في نفس الوقت (حازم).
8 – حب رجلين (أمينة).
9 – القتل العمد وغير العمد.
10 – الأمراض السرطانية بين العلاج و اللاعلاج.
11 – حب الشاب لامرأة تكبره سناً (زي).
المسلسل لم يخرج عن نطاق العلاقات الشخصية، ولكنه أظهر من خلالها جوهر الشخصيات وخفاياها وعقد الطفولة الخاصة بها، وكتلة الألم المختبئة في الركن المظلم لها.
مشاكل وأحلام الإنسان الضعيف، ورحلته للحصول على ما يريد. وما قد يُرتَكب في هذه الرحلة من أخطاء، فخطأ صغير قد ينتج عنه ردود فعل تتراكم شيئاً فشيئاً لتغير وقائع حياة شخوصها تغيراً تاماً.
تميز “لعبة نيوتن” بقدرته على شد المشاهد وإقحامه في الحدث والتلاعب بعواطفه وحرق أعصابه بانتظار الحدث التالي.
ومن أهم نقاط قوته البناء التفصيلي للشخصيات، والتحولات الجذرية والمتطرفة أحيانا لهم، وانقلاباتهم على من حولهم أو حتى على أنفسهم.
ولكل شخصياته مبرراتها فليس هناك شخصيات حدية ملائكة أو شياطين، بل الجميع يتأرجح بين الكفتين الكل مجرم والكل بريء في نفس الوقت.
وقد ساهم تصميم الأزياء لخالد عزام بتوكيد تطور الشخصيات وتغيراتها فكان اللباس يعكس الحالة النفسية للشخصية، وكان ذلك واضحاً بشدة في شخصية هنا، وحتى مؤنس ففي رحلته الأخيرة إلى المطار ارتدى القميص الذي اشترته له هنا رغم أنه يهرب مبتعداً عنها، لتقول لنا الأزياء أنه مازال يحبها وهذا ما صرح به لاحقاً في المشهد.
مؤنس نفسه تضمنت شخصيته تناقضات بدت غير متناسبة مع التقديم الذي قدم لشخصيته، فمثلاً كيف رضي الزواج من هنا وتغاضى عن إقامتها مع زي وهي بذلك تخالف الشرع الذي يؤمن به ويدعو إليه. وهنا التي صرحت لمؤنس أكثر من مرة أنه الرجل الوحيد الذي احترمها ووثق فيها، ولكنها في النهاية أبقت حازم وزي في حياتها رغم الإهانات التي سبق أن أطلقاها بحقها.
إن “لعبة نيوتن” عمل يتضمن الكثير من علم النفس، فمع مراقبة الشخصيات نطرح على أنفسنا أسئلة من نوع هل الجميع مرضى نفسيين؟ وإذا كان الإجابة على هذا السؤال تحتمل الـ”لا”، فتلك الـ”لا” سيصعب تواجدها بخصوص سؤالٍ ثانٍ مطروح، وهو هل الجميع لديه عقد وصدمات طفولة؟ فمن الواضح أن لنا ما للشخصيات من صدمات متراكمة في عقلنا الباطن من مرحلة الطفولة تتحكم في الكثير من تصرفاتنا وردود فعلنا، وربما مخططاتنا لمستقبلنا ومستقبل أبنائنا.
فالابن كان حلماً لهنا وحازم، رغم ذلك كان مصيره الإهمال منذ أن أصبح “إبراهيم” معهم لم نرَ أي منهما يقدم الرعاية والاهتمام للطفل. بل كان الطفل في كثير من المشاهد إكسسوار يكمل المشهد لا أكثر، ولم تظهر أهميته ككائن جديد حتى في النهاية حيث كان زي ويارا هما من يهتمان بابن هنا وحازم الجالسان يتحدثان بعيداً. ولكن كانت النهاية له فما الذي قصده صانع العمل تامر محسن الذي ضمن عمله كل الأجيال والفئات العمرية.
إن من أكثر ما يعيب العمل هو بعض القصص غير المكتملة ومشاهد إضافية ذكرت دون داعٍ. ففي التمهيد لمؤنس كان مشهد تلقينه الشهادة لسجين أميركي، أوحى بما لم ينسجم مع باقي الأحداث ولم يتم البناء عليه فكان المشهد يتيماً قابلاً للحذف دون أثر يذكر. وكذلك مشاهد الشابة السورية “ربا” وما ذكرته عن سجن أخيها، وحوار التهديد، وأخذ مؤنس الموبايل بسهولة ليمحو الصور، مشهد ركيك، فتح خطاً درامياً لم يتم إغلاقه، ولا ضرورة لوجوده أصلاً.
ومن القصص غير المفهومة والمبررة أيضاً هو سبب سوء معاملة شاهين لحازم والذي انتهى بموت شاهين مقتولا من لسع النحل.
بالتأكيد لا يوجد عمل كامل دون أخطاء، ولكن ما قدمه تامر محسن من أعمال درامية ومنها “لعبة نيوتن” يجعلنا نتساءل عن موعد عودته بعملٍ جديدٍ.