لماذا نحب وحيد حامد ويكرهه آخرون
عزة عبدالحميد
“حبيت أيامي”.. كانت هذه هي العبارة الأشهر في وداع الكاتب الراحل وحيد حامد لمحبيه، في ندوة تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأخيرة، حين ألتف حوله الجميع من فنانين ومحبين، وأيضًا ممن أبغضوه سواء لسبب فني أو سياسي، فهو التجربة التي يجب أن يقف أمامها الجميع، لعدة أسباب يأتي منها، ثقافة الكاتب التي تجعله في الصفوف الأمامية لدى الجمهور، والتي تجبرك على احترام ما يقدم إليك، فتعلّم أن يحترم الكاتب الجمهور وعقليته فيكون لا سبيل للمشاهد إلا تقدير ما يقدم له حتى وإن اختلف معه، “شيخ الكتاّب”، هكذا قال عنه محبوه، واحترمه من بغضبه إلا قليل.
ولكن مع تكريم الراحل وحيد حامد قبل أسابيع قليلة، في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، فتح هذا الباب أمام طرح جديد من نوعه، وهو لماذا نحب وحيد حامد ولماذا يكرهه آخرون؟!، فحين نأتي للإجابة على الشق الأول من السؤال، نجد هناك العديد والعديد من الإجابات، منها كما ذكرنا الثقافة، احترام المشاهد، أن الراحل وحيد حامد قام بتشكيل الوعي للعديد من الأجيال، قام بكشف الكثير من الخبايا السياسية والاجتماعية على الشاشة، فكان “كاتب”، للطبقات المتعددة، فلا يوجد شخص في مصر لم ير نفسه في أعمال وحيد حامد على اختلافها، فدراسته للمجتمع ودرايته بتفاصيله جعلته حكاء من وسط أفواه وقلوب الجمهور، وبالتالي امتلك عقولهم.
على جانب آخر نجد أن وحيد حامد هو من أعظم من قاموا بكتابة السيناريو والحوار خلال النصف قرن الماضي، فما نستمع إليه ونشاهده على الشاشة حوارات نبضت وجاءت مليئة بالمشاعر قبل أن يجسدها فنانيها، وبالتالي كل هذا الصدق جعلنا نحبه دون أن نشعر، بالإضافة بالطبع إلى فنه في المراوغة الفكرية وإسقاطاته التي عانى منها كثيرًا في أعماله الفنية وكانت سبب في تعطيل ظهور الأفلام للنور في بعض الأحيان، لنشعر دائمًا أنه يعاني ما نعانيه سواء مجتمعيًا أو فكريًا.
أما إذا أتينا للشق الأخير من السؤال، وهو لما يكره البعض وحيد حامد، بنظرة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي، سنرى كم من الكره الذي اعتدنا عليه من أصحاب الأفكار السامة من الجماعات الإسلامية ومن ينتمون إليهم على اختلاف مذاهبهم، وهؤلاء بالطبع هم أصحاب أكبر شريحة كره موجهه للعالم، وسنجد الفحش الفظي والشماتة في الموت والألفاظ النابية التي تملئ مواقع التواصل، بحجة أنه كان من المحرضين على الفحش، ولكن هؤلاء كرههم للراحل لن يزده في القلوب إلا حبًا، لأنهم أصحاب أغراض الجميع يعلمها، وخاصة وهو أول من كشفهم أمام الجميع من خلال أعماله الفنية، فجردهم من كل ما تحدثون عنه من مبادئ وأخلاقيات سواء عن طريق الكشف عن تاريخهم في مسلسل “الجماعة”، أو من أفلامه “الإرهاب والكباب” و”طيور الظلام” وغيرهم، فكرههم له وذمهم فيه، لن يزده إلا تقديرًا في أعين الجميع.
وعلى جانب آخر نجد الذي يحمل النزعة الدينية في قلبه، ويرى أن وحيد حامد هو السبب في نشر العديد من الإباحية الفنية بدعوى دس السم في العسل حتى يستطيع أن يقدم فكرة قوية، ولكن الغرض الأساسي من ذلك هو الخروج على الجمهور بالكثير من المشاهد الإباحية، ولكن يمكن الرد هنا بجملة قالها وحيد حامد واعتبرها سر صناعته لأفلامه، وكان ذلك أيضًا خلال ندوة توديعه لمحبيه، “كنت دايمًا بحط مشهد فيه بوسة وبعده مشهد فيه إسقاط، فالرقابة تتخانق على المشاهد الإباحية وتسبلي الإسقاط”.
وآخر من يكرهون “الوحيد”، ولكنه يكنون له الاحترام والتقدير هم من يرون أنه قام بتعرية المجتمع بشكل صريح، أخرجه من أمعائه على الشاشة سواء اجتماعيا أو سياسيًا، فجعلنا نرى أنفسنا على الشاشة في صورة واضحة أو كما قيل “كاتب صايع”.
في النهاية فقد خسرنا أب روحي لعالم الكتابة المصرية لم تنجب مصر بديلًا له حتى هذه اللحظة، ومضى مودعًا إيانا وتاركًا الشوق واللهفة بقلوبنا لفنه وشخصه.. فوداعًا شيخ الكتاب المصريين وحيد حامد.