ليلة ساخنة.. مهمشون وسط بهجة رأس السنة
حسن حداد
بطاقة الفيلم:
نور الشريف- لبلبة- سيد زيان- حسن الأسمر- عزت أبوعوف- سناء يونس- محمد متولي
سيناريو: رفيق الصبان
حوار: محمد أشرف (شارك في كتابة السيناريو والحوار: بشير الديك)
تصوير: هشام وديد سري ـ موسيقى: مودي الإمام ـ مونتاج: أحمد متولي ـ إنتاج: واصف فايز
يؤكد فيلم (ليلة ساخنة – 1995) من جديد، بأن وفاة مخرجه عاطف الطيب تعد خسارة فادحة للسينما المصرية وللفن المصري والعربي بشكل عام. فهي كذلك ليس لأن فيلم (ليلة ساخنة) يعد من بين أفضل أفلام هذا المخرج فحسب، وإنما لأن المتفرج أحس بأنه قد حرم من أي جديد لهذا الفنان المتميز والمخرج الفذ. ودليل على قولنا هذا هو ذلك الإقبال الجماهيري الكبير الذي حظي به الفيلم عند عرضه في الصالات المصرية، لدرجة أن الجماهير قد وقفت في طوابير زاد طولها عن المائة متر انتظارا لدورها في الدخول والاستمتاع بآخر رسائل عاطف الطيب إليها.
وعاطف الطيب، كما هو معروف، كان حريصاً دوماً في البحث عن قضايا تهم المواطن البسيط وتناقش مشاكله، ذلك الإنسان المحاط بظروف اجتماعية ومعيشية صعبة وغير آمنة. هذا إضافة الى سعيه الدائم الى الصدق الفني. فهو في فيلم (ليلة ساخنة) يؤكد هذا الاهتمام، ويقدم فيلماً واقعياً جميلاً وصادقاً.
الفيلم يدور في زمن قصير جداً، وهي ليلة رأس السنة واليوم السابق لها، اليوم الذي تتم فيه الترتيبات للاحتفال بهذه الليلة، فهي بالطبع ليلة غير تقليدية للجميع.. وتعد مصدر فرح وبهجة للكثيرين من جهة، ومن جهة أخرى تمثل مصدر رزق للآخرين.
أما شخصيات عاطف الطيب، فتدور في فلك شخصيتان محوريتان فقط، الأولى شخصية سيد (نور الشريف) المواطن البسيط الذي يعمل سائق تاكسي يكسب منه لتربية وتعليم ابنه المعاق ذهنياً بعد أن توفيت زوجته وتركت له هذا الحمل، فبالإضافة الى الطفل، هناك أمها المريضة يتحمل أعباء مرضها، حيث تصاب بجلطة في المخ، ويكون عليه أن يدبر مبلغ 200 جنيه تكلفة العملية التي قررتها الممرضة. لذلك فهو يطمح في أن يجمع هذا المبلغ من خلال عمله في ليلة رأس السنة.
أما الشخصية الثانية فهي حورية (لبلبة)، فتاة الليل التائبة، والتي تعمل كخادمة في البيوت لتربية أختها الصغيرة، وتطمح لجمع مبلغ 300 جنيه لتدفع حصتها في ترميم البيت المتضرر من الزلزال. وتدفعها ظروفها هذه لطريق الفحشاء مرة أخرى وأخيرة. حيث توافق على قضاء ليلة مع أحد الأثرياء في مقابل مبلغ كبير هي في أمس الحاجة إليه.
يلتقي سيد مع حورية مصادفة في ليلة ساخنة كهذه، هو كسائق تاكسي وهي كزبونة. تركب حورية التاكسي وهي في حالة غضب بعد أن تتعرض للسرقة من قبل بعض البلطجية، والذين يأخذون منها المبلغ التي حصلت علية من الثري بعد ليلة ساخنة. ونرى كيف أن سيد يتعاطف معها ويقبل أن يشترك معها في مطاردتهم، بعد أن تعود عن نيتها في التبليغ عنهم في قسم الشرطة، تحاشياً لأي بهدلة. وتبدأ رحلة حورية مع سيد في البحث عن هذه الشلة في الملاهي الليلية.
وفي هذه الرحلة غير العادية، يقدم عاطف الطيب رصداً جريئاً لأبرز ظواهر الواقع المعاصر. ففي واحد من أبرز المشاهد في الفيلم، ترصد الكاميرا ظاهرة التيار الديني المتطرف ومدى ميل أفراده الى التعنت والعنف. حيث يغلقون الشارع عقب صلاة العشاء للاستماع الى خطبة أحدهم، غير مراعين بأنهم بذلك يعطلون أعمال الآخرين. إلا أن سيد يقرر التحدي ومواجهة هذا التعنت وعدم الخضوع لهم. فيتجه نحو الحشد بسيارته مخترقاً تجمع هؤلاء في مشهد بالغ التعبير، غير آبه بما سيحدث له، ضارباً بالخوف عرض الحائط، ومؤمناً بأن الخوف منهم يزيدهم قوة وبطشاً.
كما يرصد الفيلم ظاهرة الشباب الطائش المتوجه للسهر في الملاهي والكباريهات في تلك الليلة بالذات، وذلك عندما يهم حفنة منهم للاعتداء على حورية. ويستمر الفيلم في رصده للكثير من الظواهر، حيث نرى خريجي الجامعة يعملون كمناوبون للسيارات أمام الملاهي الليلية. تعبيراً عن عدم رغبتهم في البقاء عاطلون عن العمل.
وهناك الكثير من التفاصيل الصغيرة التي حرص السيناريو على وجودها، لتزيد المشاهد قوة وتأثير، حيث تتسم بها سينما عاطف الطيب. إضافة الى التصوير الحي والسريع واللافت في الشوارع والأزقة الذي عودنا عليه في غالبية أفلامه.
وفي غمرة الأحداث والمواقف في مثل هكذا ليلة، يميل سيد الى حورية التي أبدت تعاطفاً معه ومع ابنه، لتؤكد له بأنها كإنسانة تصلح للوقوف الى جانبه وتشاركه هذه الحياة الصعبة والموحشة.
أما الحدث الأهم في الفيلم، فهو قتل أحد الأغنياء المتاجرين بقوت الناس من قبل متاجر آخر، لاختلافهما حول المبلغ المستحق لأحدهما من جراء تسفير الشباب الى أفغانستان، ليجد سيد وحورية في حوزتهما ثروة تزيد على المليونا جنيه. إلا أن سيد يقنع حورية بتسليم هذا المبلغ الى الشرطة والاستفادة فقط من المكافئة. ولكن لسوء تصرف السلطة المتمثلة في شخصية الضابط، والذي اعتقل سيد واتهمه بالقتل وبدأ التحقيق معه في حادث قتل الثري. لتعود حورية بالمبلغ ثانية وفي نيتها التصرف فيه مع سيد بعد إطلاق سراحه. لينتهي الفيلم مع شحنة كبيرة من الأمل والتأمل في المستقبل.
في (ليلة ساخنة)، نحن أمام فيلم جيد، كتبه للسينما رفيق الصبان مع مشاركة بشير الديك، يواصل فيه عاطف الطيب سعيه الدؤوب في تقديم سينما البسطاء. فنحن أمام سيناريو جيد محبوك في أغلب مشاهده، تتوفر فيه شروط النجاح الأساسية، من موضوع شيق وشخصيات معبرة جسدها عاطف الطيب بصدق وإحساس بليغ، من خلال العناصر والأدوات الفنية والتقنية التي اختارها الطيب بعناية فائقة، مقدما للمتفرج آخر رسائله السينمائية.. ونحن في انتظار فيلمه (جبر الخواطر) الذي انتهى منه قبل وفاته بأيام معدودة.