ما بين حريقَي الكعبة المشرفة ومهرجان الجونة السينمائي
فؤاد زويريق
كلما هلّ هلال مهرجان الجونة السينمائي، صوّبت نحوه مدافع الانتقادات والهجمات، جهات وأشخاص ولجان كل يغني على ليلاه ولكل مصلحته الشخصية في هذا الانتقاد أو ذاك الهجوم، لا شك أن النقد يدخل ضمن حرية التعبير وهو مكفول للجميع.
ولا شك أيضا أن النقد الجاد القائم على أسباب موضوعية سيعطي للمهرجان قوة دفع إضافية، لكن المشكل هنا هو تجاوز النقد الإيجابي القادر على البناء والتشييد إلى نقد جارح حاقد رخيص لا يهتم سوى بالقشرة دون الغوص في عمق وأهداف المهرجان، وهي أهداف نبيلة بالطبع مادامت تتعلق بالفن كملمح إنساني.
هجوم سنوي
لماذا هذا الهجوم السنوي على هذا المهرجان بالضبط؟ هل لأن هناك آل ساويرس؟ أم لأن هذا المهرجان يحج إليه سنويا كبار النجوم من كافة الأقطار؟ أم لأنه حقق في فترة وجيزة نجاحات لم تحققها مهرجانات سبقته بسنوات؟
ما ينبغي أن نشير إليه هنا أن بعض الأصابع خصوصا أصابع أولئك الذين يعتبرون أنفسهم حراس العقيدة والأخلاق هي من تدغدغ مشاعر وعواطف أغلبية المنتقدين وتحرك من وراء حجاب خيوط آرائهم وأفكارهم، وتدفعهم دفعا للهجوم على فعاليات المهرجان بدواع أخلاقية، هذا رغم أن المهرجان لا يقوم سوى بما تقوم به كافة المهرجانات في العالم، ولم يخرج عن العرف المتعارف عليه مهرجاناتيا.
لكن لابد كل سنة من رمي السهام على فساتين الممثلات ومظهر النجمات… دون الدخول في الأهم وهو نقاش ما يعرضه من ندوات، وأوراش، وأفلام عالمية وعربية مهمة، مما يوضح أهداف هذه الحملات وتوجهاتها القاصرة.
لكن يبقى الغريب في هذه الدورة هو أن الهجوم بدأ بشكل مبكر حتى دون أن ينتظر أصحابها بدأ حفل الافتتاح، فتحول هذا الهجوم إلى شماتة بعد الحريق الذي شبّ في المكان الذي سيحتضن فعاليات حفل الافتتاح بسبب ماس كهربائي، وهنا يظهر لك ضحالة ووضاعة هؤلاء المهاجمون، فأن تنزع إنسانيتك وتشمت في مصيبة ما حصلت قد تحصد لا قدر الله أرواحا بريئة، فهذه قمة الحقارة والسّفَالَة والانحطاط الأخلاقي.
تعليقات الفايسبوك
قرأت للأسف الكثير من التعليقات في الفايسبوك وفي العديد من المواقع التي نقلت الخبر، وأغلبها سعيد بما وقع بل البعض منها يدعو الله أن تسقط أرواحا جزاء حضورها في هذا المهرجان ويبقى سبب الحريق حسب رأيهم طبعا هو ما يشهده من عري وفجور، رغم أن لا أحد منهم حضر ولا شاهد ما يجري هناك فقط سمع وردد ما سمعه كببغاء غبي.
لكن دعونا نقف لحظة أمام هذا المنطق المُعوج والساذج الذي يحمله ويستخدمه بعض المتأسلمين اللاإنسانيين في الهجوم على كل ما يخالف إيديولوجيتهم الداعشية، فإذا كان هذا الحريق مقدّر بسبب عري الممثلات وهو عقاب إلاهي وإنذار منه للحاضرين، فماذا نقول عن بيوت الله التي يحرق منها العشرات كل يوم لنفس السبب وهو ماس كهربائي تماما كما حصل في مهرجان الجونة،
ماذا تقولون عن حريق شب بمسجد في منطقة مدينة نصر الشهر الماضي؟ ماذا تقولون عن حريق مسجد الجامع الكبير بقرية القراموص قبل شهور قليلة؟ ماذا تقولون عن الحريق الهائل الذي التهم المسجد العمري بقرية قويسنا في المنوفية؟ وهناك الكثير من الأمثلة التي تحصل للأسف كل يوم بل هل نسيتم أو تناسيتم ما حصل عبر التاريخ للكعبة المشرفة ألم تهدد مرارا بسبب الحرائق والسيول والكوارث بمختلف أنواعها الطبيعية والبشرية؟
الكعبة المشرفة
هل بمَنطِقكم ننسب ما حصل للكعبة المشرفة وما يحصل يوميا لعشرات المساجد إلى العري والفجور؟ هل هذا عقاب من الله موجه لمرتادي هذه المساجد؟ الله أكبر من أن يعاقب عباده بسبب فستان تلبس هذه الممثلة أو تلك.
والله أعظم من أن تدخلوه في حساباتكم الضيقة التافهة التي لا جدوى منها سوى التشويش على واحد من أكبر المهرجانات العربية فعوض أن نفتخر بنجاحه ها نحن نجتهد في هدمه والقضاء عليه وعلى رسالته النبيلة فيكفيه فخرا أنه ينشر الفن والسينما ويحاول من موقعه جلب السياح وتحريك اقتصاد البلاد دون تكليف ميزانية الدولة جنيها واحدا، فماذا عنكم أنتم؟ أنتم الذين تهاجمونه صباح مساء من خلف شاشاتكم ماذا فعلتم لدولتكم؟ ماذا استفادت منكم الإنسانية؟ ماهي إنجازاتكم؟ هل الشماتة في مصيبة ما إنجاز؟
هل الهجوم على الممثلات يشعركم برجولتكم وقوتكم؟ هل توجيه السهام إلى القائمين على المهرجان وسبهم هو آخر طموحاتكم؟ هل بهذا تتقربون إلى الله؟ هل بهذا تخدمون وطنكم؟