من ذاكرة السينما: أيام السادات
حسن حداد
في البدء لا بد أن نشير إلى أن فيلم (أيام السادات – 2000) يعتبر حدثاً هاماً بالنسبة للسينما المصرية. أولاً لنجاحه الجماهيري المتميز، وثانياً لأننا أمام شريط سينمائي يتحدث عن شخصية زعامية بارزة، أثرت في تاريخ مصر والوطن العربي بشكل عام.. فهو بالتالي فيلم هام. وأجزم بأن الحملة الإعلانية الكبيرة التي سبقت العرض العام، والتي حضي بها الفيلم ولم يحظى بها أي فيلم مصري سابق، قد جعلت الكثيرون يحرصون على مشاهدة الفيلم.
وأثناء مشاهدتي للفيلم، بهرني النجم الأسطورة أحمد زكي، في أداء رائع وممتاز، وهو ـ كما عودنا دائماً ـ قادر على إدهاشنا ومفاجأتنا، فكان كل الفيلم، حيث قام بدراسة الشخصية من كل جوانبها النفسية والعاطفية، ونجح في تقمص الشخصية وليس تقليدها. هذا مما أضفى وجوده في الفيلم مصداقية على أحداث فيلم ضخم كهذا، واستطاع أن ينقذه من الفشل الجماهيري، فكان الحمل بالطبع ثقيل عليه.
أما بالنسبة للسيناريو، الذي كان أضعف العناصر الفنية في هذا الفيلم، فهو يقدم نظرة أحادية الجانب، باعتباره مأخوذاً عن كتابي (البحث عن الذات) لأنور السادات نفسه، و(سيدة من مصر) لزوجته جيهان السادات.
إضافة إلى أن مهمة كاتب السيناريو كانت مهمة مستحيلة، عندما يتناول فترة تاريخية طويلة من حياة الرئيس أنور السادات، تبدأ منذ صباه في الأربعينيات من هذا القرن، وحتى اغتياله في بداية الثمانينيات.. حياة زاخرة بالأحداث السياسية الهامة في تاريخ مصر والوطن العربي بشكل عام.. أحداث من الصعب الحديث عنها في فيلم واحد، حتى ولو كانت مساحته ثلاث ساعات سينمائية. وهذا مما جعله لا يهتم كثيراً بإبراز الصراع الفكري والسياسي بين السادات والشخصيات الأخرى المحيطة به، ويخفق في رسم بقية الشخصيات التي كان لها تأثيراً كبيراً على أحداث الفيلم. وبالتالي فقد وقع الفيلم في الإملال من مشاهد كان من الأفضل لو حذفت، على الأقل أثناء المونتاج. وهي مشاهد يتعدى مجموعها الساعة تقريباً.
لكننا لا يمكن إلا أن نناقش ما شاهدناه على الشاشة، حيث أن السيناريو يمكن تقسيمه إلى قسمين، الأول يتناول حياة السادات قبل وصوله للرئاسة، والآخر يتناول حياته بعد أن أصبح رئيساً. وباعتبار أن الجزء الأول غير معروف للكثيرين، فقد كان أكثر مصداقية للمتفرج، وقد أعطى أيضاً حرية أكبر لكاتب السيناريو والمخرج، في تجسيدهما لأفكار ومشاعر إنسانية خاصة بالشخصية. وقد برز في هذا الجزء بالذات أسلوب محمد خان السينمائي بشكل أكثر.
ولكن بالرغم من تلك النظرة الأحادية، فقد كان هناك الكثير من المشاهد التي توخت الحذر في الطرح، وتجنبت أي مغالطات تاريخية. وقد ساهم في ذلك بالطبع وجود مخرج كبير وراء هذا العمل، وصاحب خبرة ودراية واسعة بلغة السينما، جعله يتميز عن أي فيلم تاريخي آخر.. وهذا بالطبع لا يمنع من أن الفيلم بشكل عام لم يتجاوز تلك النوعية من الأفلام التي تتناول السير الذاتية التاريخية، إلا في النواحي الفنية والتقنية.
وفي تصريح صحفي للمخرج محمد خان بعد عرض الفيلم الجماهيري، اعتبر فيلمه هذا تحدياً واضحاً منه لمن أشار إليه بأن يترك إخراج هذا الفيلم بحجة أنه لا يتناسب وأسلوبه السينمائي، وإنه إثبات للجميع بأنه قادر على صنع فيلم يشكل إطلالة على السادات وليس سيرة ذاتية تقليدية لزعيم، وهذه الإطلالة تتيح للمتفرج حرية للتفكير وإبداء رأيه فيما يشاهده على الشاشة.
والمتابع لمشوار محمد خان السينمائي من خلال أفلامه، يدرك تماما بأنه مخرج لا يهتم بالحدوتة، بقدر اهتمامها بالشخصيات والتفاصيل الصغيرة، وهذا بالضبط ما وجده المخرج محمد خان في شخصية السادات، فهي شخصية ثرية درامياً، مليئة بالتناقضات، والتباينات المثيرة، ولحظات القلق والتوتر، وفترات هبوط وصعود، وتأرجح ما بين الحياة والموت. فهي بالتالي شخصية مغرية بالنسبة للمخرج محمد خان، الذي اهتم في هذه الشخصية بالتفاصيل الصغيرة المهمة وبالأخص الإنسانية منها.
محمد خان
لكننا بالمقابل لم نجد في فيلم (أيام السادات) بصمة المخرج محمد خان الواضحة كمخرج له رؤية إخراجية فنية وفكرية خاصة. فهو، كما يعرف الجميع، أحد أهم مخرجي السينما المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين.. أفلامه تصل إلى القلب مباشرة، باعتبارها أفلاماً سينمائية مكتملة، تتوافر فيها كل الشروط الفنية.
هو بالتالي صاحب نظرية سينما المكان في السينما المصرية. وفي أفلامه من السهل الاهتداء إلى شخصيته فيها، حتى من دون وضع اسمه عليها. إلا أن محمد خان في (أيام السادات) قد وقع في الشرك الذي وضعه له السيناريو، فكان ضحية لسيناريو ضعيف مترهل، لم ينجح هو في إنقاذه في حجرة المونتاج. ولم يكن محمد خان في أفضل حالاته. صحيح بأن الإخراج كان متقناً في الكثير من المشاهد كحرفية ـ وهذا راجع لخبرة المخرج الكبيرة، إلا أن ذلك لم يستطيع أن ينقذ الفيلم من ذلك الترهل.