من ذاكرة السينما.. SYRIANA (صدمة النفط) (2)
حسن حداد
يشكل المشهد الأخير من فيلم (SYRIANA) ذروة أحداثه، حيث التوازي الملحوظ بين عملية اغتيال الأمير ناصر على أيدي الأمريكان، وبين العملية الانتحارية بتفجير المدمرة الأمريكية في بحر العرب.. هنا تصبح الشاشة بيضاء بدلاً من صوت الانفجار لبضع لحظات.
كل طرف يبارك نجاح عمليته.. يردد أعضاء الجماعة "الهدف أصيب".. ويبارك الأب سالم خان مقتل ولده في انفجار المدمرة، حين يقول: نحن من التراب وإلى التراب نعود. وفي نفس الوقت نرى الأمريكان وهم يشربون نخب انتصارهم بمقتل الأمير وإزاحته عن طريقهم، يرددون وهم يصفقون أن العملية انتهت.
أول ما لفت انتباهنا الفيلم.. هو النجم جورج كلوني، والذي كان الأكثر بروزاً في الفيلم إن لم نقل بطله.. أو بالأحرى صاحبه.. هذا بالرغم من أن البطولة هنا جماعية، بل أن الفيلم لا يعتمد أساساً على شخصيات بقدر اعتماده على أحداث خطيرة وأفكار جريئة.
ورغم ذلك فإن جورج كلوني في شخصية بوب بارنز العميل الذي تعرض لكل شيء.. من جحود رؤسائه وأصدقائه، إلى التعذيب بانتزاع الأظافر.. والقتل في النهاية.. وهو ممثل كبير رشح للأوسكار في السابق كمخرج وسينارست, ولكنه لم يفز بها إلا عن أدائه لهذه الشخصية بكل تناقضها وقوتها وضعفها.
تعرّض جورج كلوني إلى انتقادات حادة من أوساط اليمين المحافظ المسيطر على القرار في الإدارة الأميركية الحالية، كونه شارك في إنتاج «سيريانا» إلى جانب استوديوهات «ورنر بروس» الضخمة. وهو أيضاً من فكر وأعد هذا المشروع منذ بدايته. فاقترحه على ستيفن غاغان، وأمن له التمويل اللازم بمساعدة صديقه وشريكه في بطولة الفيلم مات ديمون، فاتهمه البعض بأنه أساء كثيراً إلى الليبرالية الأميركية بمفهوميها كحرية اقتصادية وسياسية.
وتناسى هؤلاء أن مساحة الحرية «الليبرالية» تتسع لمن يريد الإشارة إلى فساد في سلوكيات أفراد ومؤسسات أحياناً. غير أن جورج كلونى يعلق قائلا: لم يكن هدفنا تقديم مواعظ لأي طرف من الأطراف بهذا العمل، فالفيلم الناجح هو الذي يطرح موضوعه للمناقشة والبحث، وهذا ما يقوم به فيلم سيريانا، فهو يفتح باب النقاش عن الفساد المرتبط بصناعة النفط، كما يأمل عاغان عن طريق هذا العمل أن يتعرف الشعب الأمريكي على شخصيات وأحداث بعيدة وغريبة عنه.
في فيلمه هذا.. لم ينجح المخرج غاغان في الساعة الأولى من فيلمه، في تقديم أحداثه بإيقاع سريع يتناسب والحدث الملفت المطروح.. إلا أنه تجاوز ذلك فيما بعد، حيث تعامل مع الإيقاع وسرعته بحرفية عالية جعلتنا نتفاعل مع الفيلم في شكله العام، بل ونتناسى بعض الهنات التي وقع فيها قبل ذلك. حيث المونتاج جاء متفاوتاً.. بين بطء ممل أحياناً في الجزء الأول، وسريع ولافت بل وبطلاً للفيلم في الجزء الثاني منه.
يقول ستيفين غاغان، مؤلف ومخرج فيلم "SYRIANA"، والحائز على أوسكار أفضل سيناريو عن فيلم (TRAFFIC): (…أردت أن يغرق المشاهد، منذ البداية، في عددٍ من السياقات السردية المتوازية، كما لو أنه يشاهد نشرة أخبار متلفزة تتطرّق إلى مواضع متعدّدة ومتشعبة. ثمّ أعمد إلى تغيير الوجهة بحيث أفهم المشاهد بأنّ القصّة تعنيه هو شخصياً، وأنّ السياقات تتقاطع.. السيناريو غنيّ إلى درجة اضطررنا معها إلى إلغاء بعض الشخصيّات أثناء المونتاج لكي يبقى مفهوماً وواضحاً في ذهن المشاهد (…) إنّ تأليف هذا الفيلم قد غيّر فهمي للعالم.. لقد التقيت من يملكون سلطة القرار الفعلي، رؤساء دول، وأرباب عمل كبار، ومحامي واشنطن. ووجدتُ أنّ وراء غيريّتهم الظاهرة يكمن الدافع المكتوم: أي المال…).
مدير التصوير روبرت السويت، نجح في نقل جو المؤامرات والتعذيب وحتى الاجتماعات داخل دهاليز السياسة الأمريكية، بإضفاء إضاءة منخفضة لتجسيد هذا الجو المشحون بالخداع والمؤامرة.. هذا إضافة إلى أن اختياره لزوايا اللقطات جاء رمزياً وقدم كادرات ولقطات كبيرة منحت كل كادر استقلاليته الكاملة بشكل يتناسب والنسق البصري والنفسي لموضوع الفيلم.. على عكس إضاءته الساطعة في مشاهد الأمير في بلده، ومن ثم تغييرها عند اللقاء بوالده أو بالمسئولين الأمريكان، والتي كانت في خدمة الدراما ومعبرة أيضاً عن حالات نفسية وسيكولوجية مؤثرة.
هنا.. لابد من الإشارة بأن فيلم "سيريانا"، يعد عملاً فضائحياً، ووجبة سياسية دسمة تكشف زيف سياسات تلك الأجهزة الرسمية واللارسمية الأمريكية، وتجند كل طاقاتها للسيطرة على مجريات الأمور في تلك المنطقة الحساسة من العالم.. منطقة الثروة الأهم عالمياً. هذا بالرغم من أن الفيلم تم حشره بالكثير من المشاهد التي يمكن الاستغناء عنها ولا تؤثر على الأحداث، ولكن يبدو بأن صناع الفيلم أرادوا أن يلم الفيلم بالكثير من تفاصيل الكتاب الذي اعتمد عليه الفيلم.