وقالها التجريبي للمرة الخامسة والعشرين “المسرح ممثل”
محمد الروبي
عاد المهرجان (التجريبي) مرة أخرى إلى الحياة ليثبت للمرة المليون، عبر عروضه المتنوعة والمنتمية لثقافات مختلفة، أن أصل المسرح هو الممثل.
وهي البديهية التي يصر بعض مخرجينا في مصر أن يتجاهلوها مفضلين عليها الاختباء خلف كتل وإضاءات واستعراضات و.. و…، وها هو التجريبي في نسخته الخامسة والعشرين يقول لهم إن ما تصنعونه هو المسرح الميت، مسرح البهرجة، مسرح الأضواء الصاخبة والأصوات المكبرة بأجهزة إلكترونية، بينما أصل المسرح هو (مساحة تجمع بين ممثل وجمهور) والفوز للرؤية.
الفوز للسعي للإجابة عن السؤال: لماذا؟ الفوز للهم، فلا مسرح – بل لا فن – إلا بهم، وأول هموم المسرح هي العلاقة بين الممثل والرقعة والجمهور.
والعلاقة بالجمهور لا تقف فقط عند حدود تلك السطحيات التي يلوكها البعض كأن يشاركك الجمهور، أو تتصنع أنت جمهورا يشاركك ويتداخل معك، لا، فالعلاقة أسمى وأصعب، تتمثل ببساطة في أن تحمل همه، أن تعبر عنه، أن تمسك بتلابيبه وتجعله يصدق أنك صادق، وهي علاقة لا يمكن تحقيقها إلا بممثل قادر وقدير، ممثل يعي أن المسرح ليس أداء واجب، وأن جسده آلة يعزف عليها فإن لم يدربها يوميا ستصدأ وتفسد. علاقة لن تتحقق إلا بمخرج يعي أن الممثل هو الأصل، هو البداية وهو النهاية وبدونه تذهب كل الشطحات هباء.
عروض التجريبي الفائتة كلها تقريبا قالت لنا ذلك، بل إن عروض الخمس وعشرين دورة السابقة قالت ذلك، لكن لا أحد يسمع ولا أحد يرى. فقط سينبهرون ويصفقون ويخرج كل منهم يمارس ما كان يمارسه من قبل. وحين تفاتحه فيما رآه من عروض سيستفيض في الحديث عن أولئك (الملاعين) الحواة السحرة الذين أبهروه بعرض كان كل قوامه خشبة عارية وممثلين قادرين ورؤية في العالم والذات.
والغريب أن أولئك المنبهرين بعروض التجريبي لن يكفوا عن الشكوى والحديث عن أزمة المسرح المصري باعتبارها أزمة إمكانات ومصادر إضاءة لا تكفيه للتعبير عن حلمه المشهدي العبقري، وربما سيضيف أن بعضا من أهل (كاره) يكيدون له فيمنعونه عن إبهار العالم بمشاهد تحلق في السماء.
الآن، وبعد انتهاء الدورة الفضية، علينا أن نقف وقفة صدق مع أولئك ونسألهم: هل شاهدتم مثلا عرض (خادمتان) لجواد الأسدي؟ هل ساءلتم أنفسكم أين كتل الديكور في هذا العرض؟ هل تساءلتم عن كيف تحقق لممثلتيه هذا القدر من الليونة الجسدية والتنويع الصوتي؟ والـ”خادمتان” مجرد مثال.. والأمثلة كثيرة ومتعددة بتعدد البلدان المشاركة.
فهل ساءلتم أنفسكم (كيف ولماذا؟) إذن أنتم تكتفون بما تفعلون، فلتكتفوا لكن لا تحدثوننا ثانية عن (أزمة المسرح) فأنتم صناعها.