على حلة عيني.. رحلة في معاناة الشباب التونسي قبيل الربيع العربي
على حلة عيني.. رحلة في معاناة الشباب التونسي قبيل الربيع العربي
على حلة عيني، أي أول ما فتحت عيني، عنوان مؤثر، كونه المدخل لمعاناة شابة أكلمت توا سن الـ 18 عشر واجتازت الدراسة الثانوية بمعدل عال، وهذه المرحلة تعد بداية لمرحلة جديدة في حياة الانسان، الانتقال من جو الى جو اخر، الشعور باكتمال الانوثة او الرجولة، التطلع نحو بناء مستقبل خاص به، فما الذي رأته فرح " بية المظفر" حينما فتحت عينها؟
الحكاية
تونس2010، فرح ابنة الثامنة عشر تعمل مع مجموعة من الشباب في فرقة موسيقية، يحاولون ان يعبروا من خلال موسيقاهم عن همومهم وتطلعهم نحو الحرية التي يشعرون بمحاصرتها في بلدهم، لكن امها تريد لها ان تدخل كلية الطب.
جو الموسيقى وعلاقاتها مع قائد الفرقة يأخذها بعيدا في طموح لان تصبح مطربة مشهورة، تنتهي الحفلات بذهابهم الى الحانات الشعبية التي تضم الناس المسحوقين، الذين يجدون في الحانات ملاذا لهم، وفي الخمر دواء لما يشعرون به.
في احد الحانات تغني لرجل مسن ادمن الخمر "فتحي العكاري" الأغنية تتضمن بعض الكلمات التي تعبر عن معاناة الناس البسطاء، وما يمكن ان تراه في المدينة على وجوه الناس من تعب وحيف وفقر، ينتبه رجال الامن لذلكم هنا تبدأ مرحلة الخطر على فرح وعلى باقي اعضاء فرقتها، احدهم يوصل الخبر لأمها التي كانت تشبهها في شبابها من حيث الاندفاع والتطلع نحو الحرية لكنها اصطدمت بالواقع الحياتي والاجتماعي الذي يفرضه النظام والمجتمع، وتخاف على ابنتها من ان تلقى ذات المصير، فرح لا تستمع لنداءات امهما المتكررة ولا لطلب ابيها الغائب دائما عن البيت بل تستمر في اندفاعها، ليتم اعتقالها وممارسة اخس الاساليب معها، لتخرج منكسرة لا تقوى على الوقوف بعد ان خانها اصدقاؤها في الفرقة وتخلوا عنها، لتسلب وهي المعبرة عن جيل الشباب من حريتها واندفاعها .
الاشتغال
كطوير الليل
جيل وراء جيل
هارب من الويل
كلابهم متخمرة
علاش ناوين؟
بهذه الكلمات المعبرة ترافقها موسيقى شبابية ممتازة وضعها العراقي خيام اللامي، تبدأ المخرجة ليلى بوزيد، بطرح انتقادها واحتجاجها على ما يجري في تونس، من ضغط على الشباب خصوصا والشعب عموما، من خلال فرح الانموذج الطموح لطرح هموم شعب كامل، جاعلة كاميرتها تتنقل بين مفاصل المدينة، بحركة بسيطة بدون تكلف، لا رسم فيها لزاوية ذات دلالة، كونها اعتمدت مباشرة الحكاية ووصولها للمتلقي بتلقائية هدفا لها.
مشهد الحانة كان معبرا عن عالم الليل الذ يلجأ اليه المعذبون، كذلك ترصده عيون النظام، انهم يراقبون حتى بارات الدرجة العاشرة، بعض المشاهد الحميمة بين فرح وحبيبها، جاءت معبرة عن حالة الاندفاع، اندفاع الشباب لأقصى حد، وان كان تفاصيل بعض المشاهد لا داعي له حتى لا يتهم الفيلم بالإباحية الفجة.
ليلى بوزيد لكونها انثى فقد دفعت ببطلتها الى اقصى حدود الابداع، معبرة عما في داخلها هي من احتجاج وغضب وثورة.
تأويل النص المرئي
ربما لا يحتاج نص ليلى بوزيد الى تأويل ما وراءه، كونه مباشر الى حد ما، لكن وهذه وجهة نظر خاصة، ان الفيلم ربما اراد ان يشير الى ما يجري الان أيضا، أي ما بعد الربيع العربي، واظهار تاريخ " تونس 2010 " أي قبل حادثة الشهيد بو عزيزي، ربما للهروب من مقص الرقابة الذي قد يكون قائما لحد الان، لان بعض دول الربيع العربي لم تتخلص من اسلوب القمع الذي استمر يطال شعوبها حتى بعد الربيع العربي.
الأداء
الممثلة الشابة بية المظفر، أدت دورها بمهارة واندفاع واضح كما شخصيتها في الفيلم، لكن صوتها لم يكن بذاك الصوت الذي يمكن ان يغني، وكان وجه غالية بن علي بتقاطيعه وسمرته الحادة والجذابة، معبرا بشكل كبير عن قلق الام على ابنتها، كذلك ادى باقي الشباب ادوارهم بلا تكلف، وهذه متأتي من ان كادر العمل، كما فرقتهم الموسيقية مجموعة من الشباب متفاهمة، وهدفها انجاز نص بصري معبر.
عن الفيلم
فرنسا، بلجيكا، تونس والإمارات العربية المتحدة / 2015
إخراج: ليلى بوزيد
إنتاج: ساندرا دافونسيكا، عماد مرزوق
سيناريو: ماريصو فيشومبون، ليلى بوزيد
تصوير: سيباستيان غوبفيرت
مونتاج: ليليان كوربي
موسيقا: خيام اللامي
تمثيل: بيا مظفر، غالية بنعلي
*المقال نشر من قبل، ونعيد نشره بالتعاون مع الكاتب