وداعا صديقي أسامة فوزي (1961-2019)
عبدالإله الجوهري
تعرفت عليه ذات دورة من دورات خريبكة السينمائي، وتوطدت العلاقة بيننا خلال أيام المهرجان، لحد أننا لم نكن نتفارق ليل نهار، نتابع الأفلام معا، ونسهر حتى تباشير الفجر، مع الأصدقاء السينمائيين والنقاد المغاربة والعرب والأفارقة.
إلتقينا في ما بعد في محطات مختلفة، لكن جد قليلة، على اعتبار أن أسامة لم يكن يحب الظهور أوالتنقل بشكل متواصل بين المهرجانات والملتقيات، كان يختار منها ما يوافق مزاجه الهادئ وحساسيته الرهيفة المفرطة في هدوئها. مثلما كنا نتواصل بين الفينة والأخرى بالهاتف لأطمئن عليه أو يطمئن علي، و أهنأه كلما حقق عملا أو فاز بجائزة، وكان يفعل نفس الشيء معي.
اكتشفت في أسامة، وأنا أصاحبه وأصادقه، النموذج الأمثل للفنان الأصيل، بثقافته العميقة، وموهبته العالية المستمدة من إحساس رهيف، وتواصل خلاق مع الواقع في تجلياته المختلفة، كل هذا ظهر في أفلامه الروائية الطويلة، وغن كانت قليلة، وهي: "عفاريت الإسفلت" و"شياطين الجنة" و"بحب السيما" و"بالألوان الطبيعية"، مثلما ظهرت في مواقفه وعلاقاته بالعالم والأشياء و تنكره للموروثات المفروضة، في ضرورة الإيمان الأعمى بالدين والعادات.
عندما فاز بجائزة الإخراج في خريبكة عن فيلم "شياطين الجنة"، كان الكل ينتظر منه أن يلقي خطابا، أويهدي الجائزة لأحد من أساتذته أومعارفه، مثلما يفعل الكثيرون، لكنه فاجأ الجميع بكلمة بسيطة لكن عميقة عن فرقة موسيقية شعبية محلية (عبيدات الرما) كانت حاضرة طيلة أيام المهرجان عند مدخل الفندق الذي كنا نقيم فيه، فرقة كانت تبهجه كطفل صغير وتهز مشاعره وهو يقف طويلا للإستماع والتماوج مع أنغامها وحركات أفرادها الراقصة. و أهدى لأفرادها الجائزة، تصرف ألهب القاعة، و أكد للجميع آنذاك أن الرجل يتوحد بسرعة مع كل محيط يحس فيه بالأمان والجمال وأصالة التراث وطيبوبة البشر.
برحيل أسامة فوزي، تفقد مصر مخرجا خلاقا، مثلما نفقد نحن أصدقاءه وعشاق أفلامه واحد من أنبغ المخرجين المصريين، ورجل من ألطف وأحلى خلق الله وأكثرهم محبة ووفاء.