ظافر العابدين: العمل الإنساني ليس للاستعراض أو لتسويق صورة الفنان
نائلة ادريس
خلال الدورة 40 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي من 20 الى 29 نوفمبر 2018، تم اختيار الممثل التونسي ظافر العابدين كعضو في لجنة تحكيم المسابقة الدولية، أهم مسابقة في المهرجان.
أعضاء لجنة التحكيم، التي تراسها المخرج الدانماركي "بيل أوغست" أحد القلائل الحائزين مرتين على "السعفة الذهبية" Palme d’or، هم زيادة عن ظافر العابدين، الممثلة الكازاخية سامال يسلياموفا والمخرج الفيليبيني بريانتي ميندوزا والممثلة اللبنانية ديامان بوعبود (كانت عضو بلجنة تحكيم ايام قرطاج السينمائية 2018) والكاتب والمنتج الارجنتيني خوان فيرا والممثلة البلجيكية ناتاشا رينييه والمخرجة المصرية هالة خليل والمخرج الايطالي فرانشسكو مونزي.
رأيت ظافر في كل عروض افلام المسابقة وكان مواظبًا جدًا، وأخذ دوره بكل جدية وهذا يتماشى مع ما عرف عنه من وعي واحترام لالتزاماته.
ما هو رأيك في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؟ وهل هذه أول مشاركة لك فيه؟
لدي علاقة خاصة بمصر وبمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي احبه كثيرا لأنه يقدم كل سنة مجموعة جميلة من الافلام المنتقاة ومنظم جدا.
هذه السنة وبصفتي عضو في لجنة التحكيم كنت محظوظا بمشاهدة الستة عشر فيلم طويل المشاركين في المسابقة الدولية والذين كانوا متنوعين كثيرا. عموما هذه الافلام كانت ذات جودة جيدة وكنت مسرور جدا بمشاهدتها مع الجمهور ومناقشتها مع اللجنة.
بالرغم من ان هاته الافلام من بلدان مختلفة مثل فيتنام والفلبين وفرنسا والاوروجواي … لاحظت ان لغة السينما في الحقيقة هي نفسها. والعظيم اننا نتعلم الكثير عن ثقافات اخرى، مثلا عندما نلاحظ ان الفيليبين بها مشاكل مماثلة للتي لدينا في العالم العربي، هذا مثير للاهتمام. بفضل هذه الافلام كانت لنا المناسبة لمشاهدة اعمال مخرجين آخرين وطريقتهم في رؤية الاشياء والتعامل مع بعض المواضيع.
لجنة التحكيم التي انا عضو بها هي ايضا متنوعة : هناك منتجين ومخرجين وكتاب وممثلين. مشاركة هذه التجربة مع محترفين قادمين من بعيد ومن دول مختلفة مثري جدا.
في سنوات قليلة اصبحت مشهور جدا وتجاوزت شهرتك كثيرا الحدود التونسية وحتى العربية. ألا تعتقد ان هذه الشهرة تتضمن مسؤولية بل والتزام لخدمة بعض القضايا؟
لا أحد مجبر على الانخراط في قضايا انسانية او اعمال خيرية او غيرها، هذا خيار شخصي، لا يجب ان يقع استعماله للاستعراض او ليصبح أكثر شهرة او لتسويق صورته، للأسف هذا حال البعض واعتقد انه امر غير جيد.
الشهرة يمكن ان تكون مفيدة جدا لكن لخدمة قضية سياسية او اجتماعية او انسانية يجب ان يكون الشخص نفسه مقتنع حقيقة ومستعد لفعل ذلك بصفة ارادية ومتواصلة وصادقة.
الالتزام هو تصرف مسؤول، الشخص المشهور اذا ما التزم يجب ان يكون مسؤولا لان الناس سوف يصدقون ما سيقوله بل سيقتدون به ويتصرفون مثله.
شخصيا انا منخرط في قضايا المرأة ، انا مع حقوق المرأة لتعيش حياة حرة وكريمة، انا ضد العنف تجاهها، ضد التحرش الجنسي الذي تكون ضحيته …. واتعاون مع هيئة الامم المتحدة للمرأة (هيئة منظمة الأمم المتحدة المعنية بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة) وشاركت في عديد التظاهرات في لبنان ونيويورك … ومنذ ايام في القاهرة حضرت مراسم افتتاح حملة 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة تحت عنوان " العالم برتقالي": اسمعني انا ايضا: لينته العنف ضد النساء والفتيات" بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية. (*)
قضايا المرأة هامة جدا جدا بالنسبة لي لذا احاول بكل الوسائل من خلال الفرص التي تتاح لي سواء عن طريق وسائل الاعلام او بكل الوسائل الاخرى، ان اوصل الرسالة التي أؤمن بها الى كل من يريد ان يسمعني وحتى أولئك الذي لا يريدون.
افترض انك على علم ان في تونس تمت الموافقة على مشروع القانون المتعلق بالمساواة في الارث بين الرجل والمرأة من طرف مجلس الوزراء وانه سوف يقع تمريره للتصويت بمجلس نواب الشعب. ما هو رايك في هذه المساواة؟
انا 100% مع المساواة بين الرجال والنساء في كل الميادين بما فيها الميراث.
لماذا؟
لأنني اعتقد ان الرجال والنساء سواسية، يتلقون نفس التعليم، الاثنان يشتغلان، يعتنيان بعائلتيهما يتحملان نفس المسؤوليات … ما هي اذن الفوارق بينهما؟ لا شيء.
لا افرق بين الناس الا من خلال افعالهم ولا افرق ابدا حسب جنسهم. الرجال والنساء بشر مثل بعضهم، وبالتالي متساوين بكل بساطة.
رغم ذلك بالنسبة للبعض هذا ضد الشريعة؟
لا اعرف حقا ماذا تقول الشريعة. الآراء تختلف وعلماء الاسلام يقدمون اجتهادات مختلفة. لست مختصا لأحسم في هذا الموضوع او اقدم فتاوى، لكنني اعرف ان الجدل قائم، بل اعرف ان هنا في مصر الاسبوع الفارط قدم شيخ من الازهر تفسيرا، بينما قدم آخر في تونس تفسيرا آخر. لا شيء واضح او محدد.
بالتالي نضع قاعدة المساواة ونترك الناس تتناقش وتعطي رايها ويسمع كل الآخر، مهم جدا ان نسمع بعضنا، هذا لا يمكن الا ان يثري الجميع.
هل تعتقد انه يمكن ان نعتبر ان المسلسل المصري "حلاوة الدنيا" الذي كان لك ولهند صبري الادوار الرئيسية فيه والذي يتحدث عن مرض السرطان، هو في جانب منه نضالي ويمكن ان يعطي الامل للمرضى؟
اكيد، جملة يمكن ان تعطي الامل. كلمة يمكن ان تعطي الامل. هذا المسلسل يتضمن رسالة امل.
في بعض الاحيان كلمة او كتاب يمكن ان يغير مجرى حياة فما بالك 30 حلقة تتكلم عن الامل.
بعد بث "حلاوة الدنيا" انا وهند صبري شاركنا في عديد التظاهرات، وذهبنا لزيارة المرضى، واخبرنا العديد ان ذلك كان له اثر ايجابي عليهم وساعدهم.
قبل حتى عمل هذا المسلسل سألت امي واختي اللتين كان لديهما سرطان، اللتين قالتا نعم ولم يكن لهما أي اعتراض في ان اصوره. ثم بعد ان شاهدته أحببته كثيرا.
عندما نصاب بمرض بهذه الخطورة ما الذي يمكننا فعله؟ الخيار واضح جدا: اما الاستسلام او المقاومة والتقدم الى الامام. هذا المسلسل يقول بوضوح انه يجب المقاومة. يعطي فعلا الامل للمقاومة. طابعه التفاؤلي معدي.
ما هي مشاريعك المستقبلية؟ هل لديك عمل في تونس قريبا؟
في تونس لا شيء مقرر قريبا، لكن لدي سلسلة في الخارج وسأبدأ التصوير قريب جدا. لا يمكنني ان امدك بالتفاصيل لان الانتاج هو الذي يجب ان يقوم بالإعلان عن كل شيء. انه مسلسل عربي تشارك فيه عدة دول عربية.
احب ان اعمل اكثر في تونس، لكن يجب ان يكون هنالك مشاريع جيدة. يجب القول ايضا انه في بعض الاحيان التوقيت لا يسمح ، اذ يحصل ان يعرض عليّ مشروع واكون ملتزم مسبقا في اعمال اخرى.
الاكيد ان كل مشروع تونسي عزيز عندي لان تونس بلدي وبالتالي قريب مني، كما انه يذكرني ببداياتي واتمنى حقا ان تتوفر الفرصة قريبا.
قال ناقد مصري سنة 2017 ان مستقبل السينما العربية هي السينما التونسية، ما رايك في ذلك؟
اوافق على ان السينما التونسية خطت خطوات هائلة. كل سنة لدينا فيلمين تونسيين او ثلاثة يقع اختيارها في اكبر المهرجانات مثل فينيس وبرلين وكان، وهذا مفرح للغاية.
لكن هل ان السينما التونسية عموما في القمة؟ اعتقد انه لدينا صعوبات هائلة. لدينا مواهب، نعم، لكن المشكل انهم لا يتمكنون المرور بسهولة. يضيعون في بعض الاحيان لانهم لا يجدون كيف يعبرون عن انفسهم، قد ينتظرون عقدا للتمكن من عمل فيلم واحد، وفي الاثناء يفعلون شيء اخر والبعض قد ينتهي به الامر الى الاستسلام …
هذا بدون نسيان نقص الهياكل وقاعات السينما … الدولة يجب ان تساعد اكثر السينمائيين.
الاسوأ اننا منذ أكثر من 20 سنة نتحدث عن نفس المصاعب، لأكثر من 20 سنة ونحن نقول ليس لدينا قاعات سينما كافية، لأكثر من 20 سنة ونحن نندد بان ليس كل المدن تستطيع الوصول الى السينما، لأكثر من 20 سنة نردد نفس الشيء، لأكثر من 20 سنة ووزير الشؤون الثقافية يقدم وعود ولكن دائما لا شيء، لا شيء يحصل.
هذا يؤلم القلب خاصة عندما نرى الدول الاخرى تتقدم. لماذا مثلا ليس لدينا مثل لبنان مجمعات في كل مكان؟
الثقافة هامة جدا. لماذا لا نفرض ان توجد قاعة سينما في كل مركب تجاري؟
اذن الثقافة حسب رايك لها دور كبير خاصة بالنسبة للشباب.
طبعا هذا هام. مثلما ناكل كل يوم لتغذية جسدنا نحن في حاجة ايضا الى الثقافة لتغذية ارواحنا. سواء كان بواسطة البرامج التلفزية، الكتب، الافلام … هذا هام جدا طبعا خاصة للشباب.
بالإضافة الى ذلك الثقافة تعلمنا كيف نتعامل كل مع الآخر، كيف نفهم، كيف نرى الاشياء باختلاف …
هل تحب القراءة؟
نعم احب ان اقرأ واقرأ كل شيء: تجارب سياسية، روايات … استطيع قراءة كتابين في نفس الوقت، اترك احدهما واذهب الى الآخر ثم ارجع اليه، لكن طبعا اكثر ما اقرؤه هو السيناريوهات. .
مؤخرا قرأت كتاب فلسفي حول تطور المخلوقات البشرية. الكاتب اراد ان يشرح لنا كيف تطور العقل، كيف كان المخلوق البشري وكيف كان يتصرف في ما قبل التاريخ وكيف اصبح نفس هذا المخلوق البشري اليوم.
هذا التطور حصل بفضل حمضنا النووي. هذا مهم جدا لأننا كنا نعتقد ان حمضنا النووي وراثي، في حين تبين انه يتغير ويتطور: ذاكرتنا، طريقتنا في التفكير تنتقل من جيل الى آخر عبر حمضنا النووي.
ما هو الفيلم المفضل لديك؟
حقا بدون تفكير سأقول فيلم "سبعة" Seven (1995) من اخراج ديفيد فينشر، في الادوار الرئيسية براد بيت ومرغان فريمان وجوانيث بالترو وكيفين سبيسي. قصة جميلة جدا والنهاية غير متوقعة بالمرة. والممثلين ممتازين. اضافة الى انه فيلم لم تشبه ولو "تجعيدة" واحدة، اكثر من عشرين سنة لا يزال بنفس الجمال.
في تونس كما في مصر لديك سمعة بانك شخص هادئ جدا وعاقل جدا ومحترم جدا ومحترف جدا. لا تصرف خارج عن المعهود من أي نوع، ولا عمل طائش، ولا فضيحة حتى وان كانت صغيرة …
هل تفعل ذلك من اجل العناية بصورتك؟
انه انا نفسي. لا اعرف اذا كنت عاقلا ام لا. اعيش كما احس وكما انا.
كيف يراني الناس؟ لا ادري حقا. احاول الاّ أتأثر بأحكام الآخرين، سواء كانت جيدة او سيئة.
طيلة سنوات عرفني الناس بشخصية دالي، شخصيتي في المسلسل التونسي مكتوب (2008-2009-2011-2014) وصعب عليهم تخيلي غير ذلك، في حين لا شيء لي بتاتا من دالي.
حتى وان كنت مشهور، اريد ان اعيش حياة عادية مثل أي احد دون ان اكون بعيدا. كالجميع لدي ارتباطات مهنية وشخصية، عليّ دفع الفواتير وتعمير الوثائق الادارية والتسوق … وكالجميع لديّ حياة شخصية وعائلة ولحظات فرح وحزن … المهم ان اكون انا نفسي وان اعيش الحياة التي اريدها لنفسي.
ربما لا تعرف كيف يراك الناس، لكن يمكنني ان اشهد انه سواء كان في تونس او في مصر الكل دون استثناء يشيدون بخصالك واحترافك وعملك في سرية وخاصة احترامك لعملك ولالتزاماتك.
لقد جعلتنا فخورين بك جدا في تونس.
حظ سعيد بالنسبة للمستقبل.