المدينة في السينما العربية (3/6).. بيروت يا بيروت .. هذا الفردوس الضائع
جمال محمدي
يعود تاريخ صناعة السينما في لبنان إلى العام 1929 حين صور الإيطالي اجورد انوبيدوتي فيلما فكاهياً صامتاً عنوانه"مغامرات إلياس مبروك"، ثم صوّر في العام 1931 فيلم"مغامرات أبوعبد" وأمتلكت لبنان قاعة (الكوزموغراف) السينمائية مبكرا، مقارنة ببقية الدول العربية،كمصر والجزائر، غير أن الصناعة السينماتوغرافية، ظلت بعاصمة الفن متذبذبة بعد جيل المؤسسين بيدوتي وعلي العريس.
ثم جيل سينما الجبل – جورج قاعي وميشال هارون، وجورج نصر، وغيرهم، إلى غاية ذلك اليوم من العام 1975 حيث يختزل الكاتب إبراهيم العريس هذه الولادة العسيرة بقوله 🙁 إذا أحداث الفيلم توقفت قبل مايقرب من خمسة أعوام من اندلاع الحرب (الأهلية) اللبنانية. ومع هذا، أعتبر الفيلم، منذ عرضه، وسيظل يعتبر دائماً فيلماً عن تلك الحرب… إرهاصا بها، بوقوعها؟ على الأقل تلمساً للمناحات السياسية والطائفية التي أدت إليها.
وعن فيلم "بيروت يابيروت" لمارون بغدادي (1975) بطولة عزت العلايلي، ميراي معلوف، وفيليب عقيقي، فهو يروي قصة أحداث مجموعة من الشباب الذين يعيشون في المدينة اللبنانية، منتصف السبعينيات وتتقاطع في الفيلم حياة مجموعة من الشخصيات، محام مسلم، صبية مسيحية، عامل جنوبي، مع الأحداث التي فصلت بين لحظة أول اجتياح إسرائيلي عسكري في لبنان عام 1968 وموت الرئيس المصري جمال عبدالناصر عام 1970، وبدايات العمل المقاوم في جنوب لبنان.. حكاية حب مستحيل ووطن على شفير الهاوية. وضع نقلته كاميرا زياد الصغير التي كان يصور بها كل ما يدور حوله من تحولات، فيلم يقول الكاتب والناقد حسن ناجح أنه قدم مشهدية لنماذج من المجتمع اللبناني في خضم تفاصيل عيشها اليومي.
الحديث عن المدينة في لبنان لا ينسينا فيلم "نهلة "(1979) للمخرج الجزائري فاروق بولوفة، الذي يعتبره رضا حريري، أحد كلاسيكيات السينما العربية، وواحداً من أولى الأفلام، التي عالجت موضوع الحرب الأهلية في المدن اللبنانية بشكلٍ جدّي وعميق في السنوات الأخيرة، مبتعداً عن البروباغندا.
ومعلوم أن قصة نهلة تدور أحداثه عشية اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، حيث يذهب صحفي جزائري في مهمة عمل إلى بيروت من أجل متابعة أحداث الحرب، أين يتعرف على نهلة داخل مدينة بيروت وتتصارع الأحداث، تحت نفس الأضواء، نقوم بإسقاط في الزمن من العام 1975 إلى 2007 لنرصد المدينة الجديدة بيروت هذا الفردوس الضائع والعروس التي يتهافت عليها الجميع ولا تقبل بأحد، ليأتي فيلم "سكر بنات " (2007) لنادين لبكي، وقصة ثلاث نساء كل واحدة لديها مشكلتها الخاصة بها، يسرد أبطال الفيلم حكاياتهم دون تعقيد، وهي حكايات لا تختلف كثيرا عن
الواقع اليومي الذي تعيشه كل المدن العربية، التي لازالت تبحث عن هويتها وأسباب رفاهيتها وأمنها، مدينة بيروت عادت في أحداث فيلم"بيروت بالليل" لدانيال عربيد (2011) كأنها تحكي قصة المدينة التي من خلال المرأة التي تعمل مغنية، تريد الطلاق من زوجها حيث أنها تقع في حب الفرنسي “ماثيو” الذي يعمل بالمحاماة.
وفي نفس الوقت يحدث فى بيروت أحداث سياسية ساخنة وذلك بعد مقتل رفيق الحريري العام 2005، تُثار الشكوك حول ضلوع “ماثيو” في أعمال جاسوسية، حينها يندلع الصراع بين الحبيبين.. أحداث تدفع ببيروت للانطواء على نفسها بعض الوقت بعد الاعتداء عليها، ولكنها في الأخير تقرر الخروج من الملجأ أثناء القصف الذي استمر ثلاثة أيام للتقريب بين الأشخاص الذين يملكون الكثير وأولئك الذين لا يملكون شيئا.
نتابع تحركات ثلاث نسوة يحاولن تحدي واقعهن الاقتصادي وتغيير طبقتهن الاجتماعية، إلى فيلم "حبة لولو" قصة مثيرة للجدل ويتطرق لمواضيع اجتماعية حساسة وتعتبر محرمة مثل الأطفال غير الشرعيين، والدعارة، والإجهاض.
في "فيلم كثير كبير" (2015) لميرجان بوشعيا، فهو ليس فيلم حركة ومخدرات بقدر ما يغوص بشكل ناعم في المشاكل النائمة في المدينة اللبنانية، مثل تهريب المخدرات والفلتان الأمني عبر الحدود، كما يتحدّث عن المذهبية والطائفية السائدة في لبنان وهي أساس مشاكله والدوّامة التي يعيشها إلى اليوم. لكن لبنان الفردوس الضائع، لازالت تحن إليها النفوس الهائمة وهو اكتشاف مدهش يدفع بأحمد في فيلم بيروت البلقان (2015) لاتخاذ قرار مهم وصعب في مسار حياته وحياة عائلته هذا القرار سيرسم مجددا لوحة استثنائية عن بيروت ما قبل حرب العام 1975 بيروت المدينة الفردوس التي طالما حلم بالتعرف اليها.