المدينة في السينما العربية (5/6)- من سماء دمشق إلى أحلام المدينة
جمال محمدي
السينما السورية من أوائل الحركات السينمائية في المنطقة العربية، فقد عرفت سوريا السينما في عام 1908 بعروض سينمائية في مدينة حلب، وفي عام 1912 في مدينة دمشق عندما تجمع عدد من الشباب السوري المتحمس للسينما وعملوا لإيجاد صناعة، حيث سجل عام 1928 ولادة أول إنتاج سينمائي روائي سوري، وهو فيلم "المتهم البريء" الذي حققه أيوب بدري مع أحمد تللو ومحمد المرادي، ويعود أول فيلم يظهر المدينة السورية على الشاشة إلى سنة 1932، بفيلم "تحت سماء دمشق" فضاءات حضرية مثل غوطة دمشق، وقصر الأمير سعيد الجزائري بمنطقة تدمر، وفي محطة الحجاز وسط دمشق، وتم عرضه بسينما سي جناق بالصالحية.
كان قد ظهر مؤخرا شريط سينمائي على اليوتيوب يظهر مدينة دمشق لأول مرة العام 1955، حيث يظهر ميناء دمشق الجوي، وبعض المناظر للمدينة وأحياءها العريقة مثل باب الشرقي، وسوق الحميدية.
في مطلع ثمانينات القرن العشرين كان للمدينة السورية حضورا لافتا وقدمت الكثير من الأفلام الجادة والواقعية بصورة راقية، من الأفلام الجيدة على غرار فيلم "غابة من الإسمنت" محمد شاهين (1997) وتزحف كتل الإسمنت باستمرار لابتلاع البيوت القديمة ووراء غابة الإسمنت، تكمن غابة الذئاب التي تعيش في عالم الشراسة، يصطدم صحفي شاب وزوجته الجميلة، ويقرران مواجهة هذه الذئاب البشرية بما لديهم من قوة، فقد باتت هذه الوحوش البشرية تهدد حلم المدينة الدمشقية العريقة.
يأتي فيلم "أحلام المدينة" لمحمد ملص (1984) الذي يروي طفولته بشكل سينمائي غير معلن، ويبحر بنا بشاعرية جميلة ومعبرة، فيتذكر وصف الحياة اليومية في مدينة دمشق، وأحداث جميلة في زمن الخمسينيات، صورة يعكسها الطفل عمر الذي يرمى به بأحد الملاجئ، ويظهر أخوه ديب للعمل أثناء دراسته لكي لا تضطر الأم بدورها أن تحتاج شيئًا والعيش عالة على والدها الشحيح، في هذه المرحلة كانت سوريا تعيش مرحلة الانقلابات العسكرية من خمسينيات القرن الماضي، ليترافق الفيلم مع احتفال المدينة بمناسبة عيد الجلاء العام 1953 حيث الهتافات في الشوارع وهي تحيي "أديب بيك" وهو يعكس بطريقة واقعية الحياة الشعبية، وسط أحياء دمشق العتيقة، الأمر الذي جعل الصورة تتسم بشكلها التاريخي وقت وقوع الأحداث.
صورة أخرى تعكسها المدينة السورية بفيلم "الشمس في يوم غائم" محمد شاهين (1985) من خلال الشاب عادل من أسرة ارستقراطية، تعيش في سوريا أثناء الاحتلال الفرنسي، فرضت عليه ثقافته أن يتمرد على اسرته، وينزل إلى قاع المجتمع راغبا في تغيير حياته.
بالمقابل لايزال هناك من المواطنين "خارج التغطية" وهو عنوان فيلم للمخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد (2007) تدور أحداثه في دمشق، حيث يجد بطل الفيلم نفسه مسؤولا عن أسرتين: أسرته، وأسرة صديقه السجين منذ عشر سنوات، وتجولت كاميرا المخرج بين أحياء دمشق القديمة، لترسم صورة عن ملامح هذه المدينة بعاداتها وتقاليدها وأزياء أهلها وطرائق تفكيرهم، حيث لاتزال آثار الرفض مستمرا لخيانة الوطن ما دام هناك رجال.
في فيلم "دمشق يا بسمة الحزن" لماهر كدو (2008) الذي يروي تفاصيل حياة عائلة دمشقية عاصرت أيام الانتداب الفرنسي واختلفت مواقف أفرادها تجاه الاحتلال بين مؤيد للثورة وبين رافض لها، لكن المخرج أيَّد خيار الثورة بمنحه شخصية سامي صفات لا يملكها إخوته كالنخوة والرجولة والأفكار التحررية.
وكغيرها من المدن العربية تأثرت المدينة الدمشقية بمشاكل البطالة، والمحسوبية، والآفات الاجتماعية الأخرى، واقع يظهره فيلم "لعبة الحب والقتل" لمحمد شاهين (1993) في إطار درامي، حب، انتقام، قتل، أحداث مختلفة ومتشابكة، حيث تدور أحداث هذا الفيلم من خلال مهندس شاب متخرج حديثاً، يعاني البطالة، يقع فريسة بعض المنحرفين ويتم توريطه، لغاية اليوم الذي يقع له حادث يذكره بماضيه البريء، حيث ينتفض على هؤلاء المنحرفين.
خلال فترة الثمانينيات، عرفت السينما السورية تراجعا في الأفلام السينمائية، عكس الدراما التي تبوأت المشهد العربي، ورغم ذلك كان هناك عدد جيد من الأفلام الجادة وذات واقعية ومصداقية من إنتاج المؤسسة العامة للسينما إضافة لعدد أقل من أفلام القطاع الخاص، غزت المسلسلات السورية المحطات الفضائية العربية وأصبحت في قمة الإنتاج الدرامي العربي، واستمرت مؤسسة السينما في إنتاج بعض الأفلام السينمائية، فكانت أفلام مثل "دمشق مع حبي" للمخرج محمد عبدالعزيز (2010) وتدور أحداث العمل في مدينة دمشق، من خلال قصة حب قديمة بين شاب مسيحي وفتاة يهودية، تتجدد بعد عشرين عاماً، حين تعلم أنه لا زال علي قيد الحياة، وتبدأ في رحلة للبحث عنه، تم تصوير هذا الفيلم بحارات دمشق القديمة.
ويأتي الفيلم الجميل "مريم" للمخرج الفلسطيني السوري باسل الخطيب (2012) الذي يرصد من خلال معاناة ثلاث نساء في خضم ثلاث أزمات مرت بها سوريا في تاريخها الحديث، وينجحن، بفضل الحب، بتجاوز المحن والحروب، وإلى جانب القصص العميقة لهذا الفيلم، فهو يعكس أحداث حقبة تاريخية هامة من حياة سورية، تمتد منذ نهاية العهد العثماني في بدايات القرن العشرين إلى يومنا هذا، ليأتي الفيلم القصير، "تساقط" (2016) لعلي العقباني، الذي يروي الانتظار لامرأة تعيش المكان وتفاصيله (سوريا) في انتظار قطار الأحلام القادم عبر الربيع المتأخر.