الضيف: مقال سينمائي تتفق معه فكريا وتختلف سينمائيا
محمد كمال
هناك مجموعة من الأفكار تؤمن بها و تتفق معها في سياق تواجدها الطبيعي من خلال مقال او كتاب او حلقة تلفزيونية لكن عندما تنتقل هذه الأفكار الى السينما يجب ان يتم توظيفها في إطار السينما التي لها آليات تنفيذ مختلفة تماما عن أي طرح موازى لتضع أول و أهم سؤال حول فيلم (الضيف) هل التوافق مع أفكاره يكفي للإعجاب به ؟
إذا اعتبرت نفسي من محبي ومتذوقي السينما، بالتالي رأيي سيكون سلبيا في المجمل، ليس مع الطرح الفكري، لكن مع التنفيذ السينمائي الذي يعد ركيزة أساسية في الحكم على الفيلم ككل، "الضيف" خرج كأنه أشبه بمقال او كتاب طويل يطرح فيه ابراهيم عيسى أفكاره بشكل متتالي أو كأنه مناظرة تلفزيونية على الشاشة بين المفكر ابراهيم عيسى وأحد رجال الدين حول الوسطية والسلفية في الإسلام.
(لكن)، مع وضع تسعة خطوط تحت (لكن)، اذا قمنا بإعادة النظر بواقعية حول أمرين، الأول: إدراك وتقبل غالبية الجمهور للسينما ورؤيتهم في تحليل الفيلم -أي فيلم-، والأمر الثاني: التشدد الديني والحجاب الفكري الذي سيطر على المصريين منذ سبعينيات القرن الماضي، يجعلنا نتراجع و لو قليلا عن فكرة التمسك بالقواعد السينمائية المحببة لدينا، ولا نكون قاسيين على تجربة قد تكون مراهقة سينمائيا لكنها في نفس الوقت تسعى بأفكارها الى كسر القوالب الزجاجية التي تحيط بعقول المصريين خلال خمسة عقود.
قدم ابراهيم عيسى في فيلم (الضيف) أفكاره التي ظل لأعوام طويلة يحارب من أجلها حول الصراع الأساسي بين الوسطية والسلفية في الإسلام والتشدد الديني في المجتمع، وقدم فكرة سينمائيا جيدة لكن كان عليه ان يكتفي بالفكرة أو القصة، ويستعين بسيناريست يصيغ هذه الأفكار بصريا، بدلا من إغراق الفيلم في بناء سردي تخلله حوارات طويلة مباشرة شديدة التكلف والمباشرة، فكتابة المقالات وتأليف الكتب والمناظرات التلفزيونية تحتمل العرض السريع المباشر للأفكار، لكن على مستوى تنفيذ فيلم سينمائي يعتمد على الصورة كركيزة أساسية للتعبير لا يجب ان تقدم للمتلقي هذه الأفكار بالملعقة.
حتى أكثر كتاب السينما مباشرة مثل وحيد حامد او بشير الديك او محمد أمين لديهم خيط يحافظ على طريقتهم المباشرة في الطرح، فنحن أمام المفكر (يحيى التيجاني) الذي يتعرض للمحاكمة بسبب أفكاره (الغريبة) من وجهة نظر المجتمع المصري الحالي، ويتم تعيين حراسة حول منزله بسبب تلقيه تهديدات بالقتل، ويعيش مع زوجته وابنته، وتستقبل الأسرة ضيف (أسامة) الذي يتقدم لخطبة الابنة.
وخلال هذا اليوم الذي تدور فيه أحداث الفيلم، وداخل حدود المنزل تدور مناقشات طويلة بين الأبطال حول تلك الأفكار التي يحاكم يحيى التيجاني بسببها، أو الحرب التي يخوضها مؤلف الفيلم الحقيقي ابراهيم عيسى حول تاريخ عصر الخلافة والاختلافات بين علماء المسلمين والحجاب والموقف من الأقباط.. إلخ، في حوارات مباشرة يغلفها استطراد طويل، فتحول الفيلم الى مجموعة من المناظرات لكن بلقطات متقطعة.
فالخط الوحيد الذي نشتم فيه رائحة السينما كان أسباب (فريدة) للارتباط بـ(أسامة) الذي أفسد سريعا أثناء المواجهة التي جمعت بين (ماريان) و(فريدة) وإعلانها عن دوافعها وراء الارتباط بأسامة بطريقة مباشرة ساذجة، وايضا المشهد الأول في الفيلم، والوحيد الذي كان خارج حدود المنزل الذي ظهر فيه (محمود الليثي) على القهوة كان خفيف الظل، وتم توظيفه جيدا دراميا، للمرة الأولى أجد فيها هادى الباجوري مستسلما تماما أمام السيناريو دون وجود أي لمسات منه كمخرج، حتى وإن قدم إيقاع تشويقي متصاعد وصورة سينمائية متميزة، اعتمد فيها على اللقطات القصيرة كأنه معجب بطرح هذه الأفكار، وأنا ايضا أشاركه هذا الإعجاب لكن يبدو أنه نسى دوره كمخرج له رؤية سينمائية لتوظيف تلك الأفكار على الشاشة .
خالد الصاوي كعادته يقدم أداء مميز ويجيد أكثر في وضع لمساته الخاصة على شخصية يحيى التيجاني على المستوى التمثيلي والشكلي، وعلى النقيض أحمد مالك الذي لم يستغل موهبته في إضافة أي جديد للدور، أما شيرين رضا فهي تقدم أفضل أدوارها ولا أبالغ في انها المرة الأولى التي أجدها (بتمثل) وتستمر جميلة عوض في أدائها التقليدي الباهت، وظهور مميز لضيفي الشرف ماجد الكدواني ومحمد ممدوح، أجاد الباجوري استغلاهما وتوظيفهما في الأحداث بشكل أفضل من توظيف شخصيات (الضيف) الرئيسية وأفكاره.