نقد

نادى الرجال السري: فكرة واعدة سقطت في فخ التقليدية

محمد كمال

قد يكون الضحك من أجل الضحك، في حد ذاته هدف سامي، يجعلنا نتعاطف مع فيلم متوسط، لكن هناك فارق بين الضحك المبنى على حبكة، حتى وإن كانت محدودة القيمة، وبين الضحك الأقرب الى الاستخفاف والإسفاف، المبنى على سرد عبثي بهدف الإضحاك "بالعافية".

ليس الضحك كقيمة نبيلة في حد ذاتها تجعلنا نتعاطف مع الفيلم بصرف النظر عن جودته، وكريم عبدالعزيز من فرسان الكوميديا، الذين قدموا هذا النوع النبيل في بطولاته الأولى، بداية من (حرامية في كي جي تو) وصولا الى (في محطة مصر) عام 2006، التي توقف عندها كريم، ومن بعدها ابتعد عن تقديم هذه الأفلام التي كانت السبب الرئيسي في ترسيخ اسمه من نجوم الصف الأول، ومن الممثلين الأكثر قربا من الجماهير لما يتمتع من خفة ظل و تلقائية.

بعد ذلك راهن كريم على الأفلام الجادة والأكشن، سقط في (خارج على القانون) لكنه استعاد عافيته في (ولاد العم)، 2009 ثم (الفيل الأزرق) 2014، حققا نجاحا جماهيريا كبيرا برغم اختلافي معهما في المستوى الفني، وبعد خمسة أعوام من الابتعاد عن السينما يعود كريم الى النوع الذي يفضله ويحب أن يراه الجمهور فيه، مع (نادى الرجال السري)، لكن بعد غياب 13 عاما، فهل مازال كريم قادرا على التألق في الكوميديا النبيلة؟

قبل مشاهدة الفيلم كان لدى تفاؤل كبير، والسبب ليس وجود كريم في البطولة، وتخمة نجوم الكوميديا غادة عادل وماجد الكدواني وبيومي فؤاد، لكن لاقتران الفيلم باسم المخرج خالد الحلفاوي، الذي قدم في 2015 (زنقة ستات)، الذي اعتبره من أهم وأفضل الأفلام الكوميدية في العشرين عاما الأخيرة، فبناء الضحك كان على سيناريو رسم شخصيات وأدوار قادرة على الإضحاك من خلال المواقف، وليس الإفيهات فقط. 

ولم يقع الحلفاوي في تجربته الأولى في المأزق الذي دخل فيه معظم المخرجين الذين قدموا الكوميديا، المسمى بالانصياع الى شروط (النجم) وتدخلاته، وتسخير كل الإمكانيات الفنية والإنتاجية لمصلحته فقط، بل نجد أن الحلفاوي اعتمد على حسن الرداد، ووقتها كان الرداد لا يملك أي رصيد في الكوميديا، ليعيدنا الى تجربة فطين عبد الوهاب العظيمة، الذي جعل ممثلين لا يصنفون كوميديانات، ليقدموا الكوميديا ببراعة، مثل عمر الشريف وصلاح ذوالفقار وأحمد مظهر وشادية ويوسف وهبي.. وغيرهم. 

صحيح ان تجارب الحلفاوي التي تلت (زنقة ستات) لم ترتقي لجودة التجربة الأولى، لكن يبدو انه لم يفقد الأمل في إيجاد سيناريو محكم مسلي، مثل الذي كتبه هشام ماجد وكريم فهمي منذ أربعة أعوام، فهل حقق أيمن وتار هذه المعادلة خصوصا مع تواضع تجاربه الأولى ككاتب سيناريو؟

في (نادى الرجال السري) نحن أمام فكرة عبقرية عصرية متماشية مع التقدم التكنولوجي الذى أصبح سمة حياتنا، تمثل معظم الرجال في مجتمعاتنا، حيث الزوج الذى يعيش حياتين، في الصباح الزوج المثالي المسئول عن أسرته يتجه الى عمله و أحيانا ينصاع لتحكمات الزوجة، وفي الليل في حياة موازية مغايرة تماما أيا كانت أسباب التغيير، فنادى الرجال السري أسس بهدف مساعدة الرجال على خيانة زوجاتهم، وتوفير الحماية اللازمة لهم حتى لا ينكشفوا، من خلال الاعتماد على الطرق التكنولوجية الحديثة في عمليات التغطية، بداية من الحصول على أسماء الجثث من المشرحة لاستخدامها في عمليات التمويه، وصولا الى نظام كامل يلتزم به أعضاء هذا النادي. 

في الدقائق الأولى من الفيلم نحن أمام فكرة طازجة و تنفيذ أكثر براعة أشبه بأفلام المخابرات التي غلفت نادى الرجال السري، بداية من مكانه أسفل محل كوافير رجالي، مرورا بعمليات التمويه التي يستخدمها الرجال، وخصوصا (أدهم) طبيب الأسنان الذى يعانى من سيطرة زوجته (هاجر)، وتجسسها الدائم عليه وانتقاص مقدار الحب والتفاهم الذى كان في بداية علاقتهما، فيلجأ أدهم الى نادى الرجال السري، الذى نغوص في تفاصيله من خلال (فؤاد)، الذى يبحث هو الاخر عن خيانة زوجته، والهرب من حياته الرتيبة. 

ندخل الى التفاصيل أكثر مع مدير النادي (حيرم)، الأقرب الى شخصية رجل المخابرات محسن ممتاز، الذي لديه حلول للخروج من أي أزمة أو مطب يقابل أعضاء النادي، والذي يقوم بتسهيل عمليات الخيانة وتعقيد التمويه، ولم يفسد البداية الشيقة سوى شخصية (محمد) التي أقحمها أيمن وتار وقدمها بنفسه ليؤكد فشله الذريع والمستمر في التمثيل. 

وهنا السؤال الأهم هل وجود فكرة مبتكرة ومخرج مميز وشركة إنتاج كبيرة، حشدت الأبطال (كريم– غادة– الكدواني– بيومي)، مع النجوم من ضيوف الشرف (هشام ماجد–أكرم حسني– أحمد أمين– حمدي الميرغني– معتز التوني– أيمن وتار) كافيا لخروج الفيلم بصورة جيدة فنيا، بالتأكيد لا. 

لأن (نادى الرجال السري) لم يستطع الحفاظ على توليفته الكبيرة، وجمال فكرته وبدايته المميزة، وانزلق سريعا في فخ الاعتماد على الإفيهات، التي تعود لموهبة الفنان، وليس لموقف درامي، مزجت بين الاستخفاف والإسفاف وأحيانا "التهريج"، وصولا الى تقليدية الأحداث في النصف الثاني منه، بعد كشف سر النادي والاتفاق الذي أبرم بين (هاجر) و(فريدة) للإيقاع بأدهم، لتصبح مسألة تخيل النهاية أمر ليس بالصعب. 

تلك النهاية المباشرة التي يتواجه فيها الزوجان، ويوجه كل منهما العتاب الى الآخر ويلقى عليه اللوم ويحمله أسباب الفشل في تحويل الحياة الزوجية الى قفص رتيب ممل، لينقلا تلك الرتابة الى أحداث ضعيفة ومشاهد مفتعلة على الشاشة، جمعت الخماسي (أدهم– هاجر– فؤاد– فريدة– حيرم) مع الثنائي (د. شريف) و(الزونط) لتكتب نهاية فكرة واعدة.
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى