“سوريا تَراك” الرؤى السينمائية لِلحرب في عمقها
نوار عكاشه
تستمر الحرب السورية بالاستحواذ على اهتمام العالم بِتصاعد مستمر ومتجدد، وبِلبوس دائم التغيير يتبدل وفق معطيات الأرض والسياسة، مما يفرض على الإعلام والفنون بالمقابل؛ إيلاء الاهتمام المتواصل لها.
تسير السينما السورية بأنواعها الروائية والوثائقية مع تلك الحرب، وتواصل استجواب المفاهيم وتحريض المُسلمات وتوثيق المأساة وتداعياتها، وتكاد لا تغيب عن معظم المهرجانات السينمائية حول العالم، وتتعدى المشاركة إلى حصد الجوائز الكبرى، وهنا يُفرَض الاحترام والتقدير لِصُناعها الذين تحدوا وخاطروا واجتهدوا لإيصال أصواتهم والتعبير عن اختلاجات آلام الواقع في بلادهم أو غربتهم.
كما تُولي المؤسسات المجتمعية حول العالم اهتماماً بِتلك السينما، وتسعى عبر أنشطتها الثقافية لاحتضانها وتنظيم عروضٍ لها، ومن تلك المؤسسات؛ تستعد مؤسسة Regards syriensسوريا تَراك في مدينة مونتريال بِكندا؛ لإطلاق الدورة الرابعة من برنامج "السينما السورية المعاصرة" (15,16,17 إبريل 2019)، الذي أطلقت دورته الأولى في العام 2016 بِهدف التعرف عبر الأفلام على الرؤى السينمائية للحرب في عمقها، بما قدمته من موضوعات تناولت خيارات ومصائر السوريين بين الحصار والقصف والتطرف والنزوح.
تقدم في برنامج أيامها الثلاث لهذا العالم 5 أفلام سورية مستقلة، ستُعرض في معهد Cinémathèque quèbècoise للأفلام، بالتعاون مع مدرسة ميل هوبنهايم للسينما، جامعة Concordia قسم الأنثروبولوجيا، جامعة McGill قسم تاريخ جامعة مونتريال، وفضاء التضامن السوري في مونتريال.
الافتتاح يوم 15 إبريل الحالي مع الروائي الطويل "يوم أضعت ظلّي" (2018، 95د) للمخرجة سؤدد كعدان، يتناول الفيلم الحصار ومعاناة المدنيين في الحرب وسط أزمات انقطاع ضرورات العيش من ماء وكهرباء وغاز …، يروي في شتاء 2012 الأكثر برودة؛ رحلة "سنا" بحثاً عن مكان تشتري منه أسطوانة غاز لإعداد طعام لابنها الصغير، فَتضيع في ضواحي دمشق ضمن المنطقة المحاصرة، وفي مسيرها ترى أن الناس بدأت تفقد ظلالها في الحرب.
اليوم الثاني مخصص للأفلام القصيرة، حيث ستُعرض 3 أفلام، أولها "بين موتين" (2015، 21د) للمخرج أمير فخر الدين، فيلم عن الحب والحرب، “كامل” و”زينب” يعيشان حياة الفلاحين ومعاناتهم في الجولان السوري المحتل، مُعلقين على الحدود بين موتين، الاحتلال الاسرائيلي وممارساته العدوانية من جهة والقصف المستمر على الجانب الآخر حيث الحرب السورية في أوجها.
يليه فيلم الأنيميشن القصير "سُليمى" (2014، 15د) للمخرج جلال الماغوط الذي يقدم بِأسلوب الصور المتحركة امرأة ثوريّة قوية تمثل ألاف السوريات المجهولات اللواتي يجابهن الظلم والتبعية، تروي "سُليمى" القادمة من ضواحي دمشق؛ تجاربها وخبراتها عن الحرب ومآسيها والأمل الباقي.
وختام اليوم مع فيلم "على حافة الحياة" (2017، 45د) للمخرج ياسر كسّاب، وثائقي عن عزلة اللاجئ والفراغ الداخلي في الغربة، محاكاة شاعرية للألم الذاتي، العجز واللاجدوى لزوجين "ياسر" و"ريما" نزحا من مدينة حلب إلى تركيا، يعيشان (شبه حياة) بعد فقدان الأحلام والأمان إثر البعد القسري.
أما اليوم الثالث والأخير؛ مع الوثائقي الطويل "فوضى" (2018، 95د) للمخرجة سارة فتّاحي، التي تُوثق عوالم داخلية لِثلاث نساء في مناطق مختلفة من العالم يتقاسمن الأوجاع والهواجس، الآثار المتروكة والأزمات النفسية التي ولّدتها الحرب السورية لدى السوريّتان "رجى" و"هبة"، وملازمة العنف والارتباك والخوف لهنَّ في الذاكرة والمخيلة، بينما تبحث كاتبة دنماركية عن الإلهام لِلكتابة عن السلام في محاولة ذاتية لإيجاد منفذ آمن للهروب من الألم والخراب في هذا العالم.