رأي

كيف أفسد “عادل إمام” المصريين

أحمد بدر

عزيزي القاريء..
قبل أن أسترسل في مقالي.. دعني أطرح عليك بعض الأسئلة أولا:
–    هل تحب المال الحرام؟
–    ما هو موقفك من البلطجة والبلطجية؟
–    هل تحب اصطناع المشكلات؟
–    هل تحب مصاحبة وصداقة اللصوص
–    هل تحب ممارسة الكذب طوال الوقت؟
–    هل تمنح ثقتك للص أو قاطع طريق؟
–    هل تحب أي خارج على القانون ما دام ظريفا؟
إذا كانت ترفض وتستنكر كل ما سبق، فحتما أنت أحد الرافضين لما قدمه عادل إمام في مشواره الفني..
لا أكره إمام بالطبع، وأعتبره واحدا من أكثر كوميديانات مصر والعالم العربي إثارة للضحك والمرح، وهو الأخف دما بين أبناء جيله، إذا استثنينا منهم محمود عبدالعزيز بالطبع، الذي قدم للفن كثيرا، ومات قبل أن يكتشف المصريون نصف مواهبه.

عادل إمام، ترك بصمة كبيرة في السينما المصرية، فهو الضابط المثابر، في "النمر والأنثى"، وهو الوزير الإنسان المحب لأبنائه في "التجربة الدانماركية"، وهو أيضا المواطن البسيط الذي يفجر الثورة في نهاية مسرحية "الزعيم".

ولكنه أيضا اللص في "مسجل خطر"، والدور هنا ليس أزمة في حد ذاته، فقد أداه إمام بإخلاص حقيقي، وباحترافية واضحة، ولكن الخطر يكمن فيما علمه عادل إمام لجماهيره من المصريين والعرب، أن تتعاطف مع اللص، أن تحب المجرم، وأن تمنح مشاعرك لمسجل خطر لمجرد أنه خفيف الظل، وقادر على إضحاكك.

"مدرسة المشاغبين"، مسرحية تجبرك على الضحك، فيما كم غير طبيعي ولا اعتيادي من خفة الدم، ولكن ما قدمته، يعاني بسببه أجيال من المعلمين، وأفسد أجيال كثيرة جدا من طلاب المدارس والجامعات.

فبعد أن كان الطالب المصري مثالا في احترام معلمه، ثار مضرب المثل في السخافة والاستظراف، إذا كان محترما، وبلطجيا إذا ترك لنفسه العنان، لينفذ بعض ما علمه له عادل إمام خلال سنوات طويلة، عرضت فيها مدرسة المشاغبين مئات المرات.

ولنضع أمام أعيننا فيلمه "السفارة في العمارة"، يعلمنا الفيلم معنى أن تكون "هلاسا" بالمعنى الحقيقي للكلمة، لا تترك امرأة إلا وتأخذها إلى سريرك، حتى زوجة مديرك في العمل، التي تترك لك "بانتي" تضعه في جيبك كمنديل، وتصبح عادتك أن تقابل الناس بينما منديل بدلتك عبارة عن خيط رفيع لملابس داخلية خاصة جدا.

العاهرة في فيلم "السفارة في العمارة"، صاحبة أقدم مهنة في التاريخ، ضربوا بها المثال في الوطنية، فهي تذهب معك إلى بيتك، تمنحها أجر ليلة قبل أن تمتطيها، ولكنها ستتهمك فورا بأنك خائن وعميل طالما أنك تسكن في عمارة واحدة يوجد فيها مقر السفارة الإسرائيلية.

أصدقاؤه، مجموعة من الحشاشين، فيهم محام فاسد، وصحفي معارض بلا أدنى معايير أخلاقية، ومجموعة المثقفين في الفيلم من الماركسيين والسياسيين، قدمهم عادل إمام كمجموعة نتنة الرائحة، جاهلة، تحاول أن "تتفذلك" دون سند حقيقي، بينما غايتهم الأخيرة في ندوتهم، الحصول على زجاجة الخمر والفرار بها.

في فيلمه المولد، عاش عادل إمام بأموال "حرام"، مسروقة، ثم سرقها هو فجعلته رجل أعمال كبير.. هل هذه قيمة يمكن أن نعلمها لأبنائنا؟
شاهد بعينيه جرائم قتل وصمت، وعندما حانت اللحظة نفذ القصاص بنفسه.. فهل هذه قيمة يمكن أن نعلمها لأبنائنا؟
هل قدم عادل إمام هنا حقيقيا؟ نعم.. قدم المئات من الأعمال الخالدة، التي لا يمكن أن تغفلها ذاكرة السينما.

ولكن ماذا فعل أيضا؟؟ 
لوث عقول كثيرين من شباب مصر، بفكرة أنك على حق حتى إذا كنت لصا، أو بلطجيا، أو حتى "هلاسا"، طالما أن دمك خفيف.. وأن كل ما ترتكبه، يهون إذا أخفيت أثر جريمتك جيدا.

عادل إمام فنان كبير.. وعظيم.. 
اضحكوا على ما يقدمه.. ولكن لا تقلدوه.. ولا تجعلوه قدوة لكم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى