عمر الشريف.. الانطلاق نحو العالمية (2-4)
لورنس العرب.. بداية المغامرة
بالنسبة لمسألة اشتراكه في فيلم (لورنس العرب)، فيعتبرها عمر الشريف مغامرة فنية وحياتية، حيث قال: (…كان لي في مصر بيت وزوجة وابن، وكنت أعمل في السينما المصرية ولي فيها مكانة، فغامرت بكل هذا وقلت وأنا ذاهب الى الأردن بأنني لو نجحت كان بها، ولو لم أنجح سأرجع الى مصر حيث حياتي منتظمة…).
ونجحت المغامرة، بل وكانت بمثابة التجربة الفنية والحياتية الهامة في مشوار عمر الشريف السينمائي. عامان كاملان من الإعداد والتصوير في صحراء الأردن، كانا بمثابة المختبر الفني الحقيقي الأول بالنسبة لعمر.. تعلم من خلالهما الكثير عن السينما والحياة، فقد تسنى له ـ ولأول مرة ـ معاشرة كبار السينمائيين، أمثال: ديفيد لين، بيتر أوتول، أنتوني كوين، أليك جينس، وغيرهم. كما تعلم منهم كيف يمثل بعينيه لا بحركات جسمه فقط، وكيف يعود الى ذاته فيتصوف، وكيف لا يرى النساء إلا خلال زياراته الخاطفة لبيروت مع صديقه بيتر أوتول. ومن خلال (لورنس العرب)، وضع عمر الشريف نفسه أمام تجربة المشوار الطويل، وأمام الفن العالمي الحقيقي، والذي لا يشبه في إنتاجه وإخراجه وإمكانياته ما يعادله في السينما المصرية.
بعد فيلم (لورنس العرب)، ظهر عمر الشريف في عدة أفلام كبطل.. فقد جسد دور جنكيز خان أمام الممثلة الفرنسية "فرانسوا دورلياك"، ولعب دور الكاهن في فيلم (أنظر الحصان الشاحب) تحت إدارة المخرج الأمريكي "فريد زينمان" مع أنتوني كوين وجريجوري بيك. عندها بدأ نجمه يلمع في السينما العالمية، وبدأت وسائل الإعلام تتكلم عنه، خصوصاً عندما اختاره عبقري السينما ومكتشفه عالمياً المخرج ديفيد لين للقيام بدور عمره في فيلم (دكتور زيفاجو) عن رائعة بوريس باسترناك. وديفيد لين بخبرته ومقدرته الفنية، عرف كيف يستثمر إمكانيات عمر الشريف التمثيلية، فأسند إليه الدور الرئيسي أمام جولي كريستي وجيرالدين شابلن، وكانت الانطلاقة الصاروخية.
بعدها، قام بدور تشي جيفارا، للمخرج ريشار فليشر، لكن الفيلم أنتقد كثيراً، حيث لم يغفر له وجود عمر الشريف ومخرج ماهر ومتمكن. كما أنه وقف أمام الإيطالية صوفيا لورين في فيلم (سقوط الإمبراطورية الرومانية)، وأمام إنجريد بيرجمان في فيلم (الرولزرويس الصفراء)، ومرة أخرى مع بيتر أوتول في فيلم (ليلة الجنرالات)، وأمام كاترين دينوف في فيلم (مايرلينغ)، كما مثل في فيلم (ذهب ماكينا).
وفي عام 1967 مثل دور البطولة مع اليهودية بربارا ستريسند في فيلمين (الفتاة المرحة، امرأة مرحة). وكانت ردود الفعل عند العرب ذلك الاستنكار التام، خصوصاً وإن العمل في هذا الفيلم تزامن مع أحداث 1967 والهزيمة، وعندما نشر في إحدى الصحف الأمريكية صورة لمشهد غرامي من الفيلم يجمع الإثنين في قبلة، ما لبثت الصورة أن وصلت الى القاهرة، ومن ثم نشرت مرفقة بتعليقات مطولة تطالب بإسقاط جنسية هذا الذي باع وطنه بقبلة منحها الى يهودية.
أما عمر الشريف، فيقول في هذا الصدد: (…تلقيت مكالمة هاتفية من وكالة الأسوشيتد برس تسألني عن رأيي في هذه المقالات التي تنشرها الصحف المصرية عني؟ فأجبت بالقول: إنني لا أهتم بإن أسأل فتاة عن جنسيتها أو مهنتها أو ديانتها قبل أن أقبلها.. سواء على الشاشة أو في الحياة العامة…). كما يضيف قائلاً: (…إنني أعارض فكرة التعصب القومي والديني، وأكره العنصرية، بل أكره أي شيء يدفع بمجموعة من الناس الى احتقار مجموعة أخرى من الناس…).
بعد ذلك قدم عمر الشريف العديد من الأدوار العالمية، والتي تفاوتت في المستوى الفني، مثل دوره في فيلم (السطو) مع جان بول بلموندو، وقيامه ببطولة مشتركة مع البريطاني مايكل كين في فيلم (القرية الأخيرة).. وأفلام أخري مثل: رصاصة بالتيمور، مرارة الحب، الحصان الأبيض، الخريف، وفيلم (الموعد) أمام الممثلة أنوك إيميه، وفيلم (أكثر من معجزة) مع صوفيا لورين، ثم فيلم (ثمار التمر الهندي).
وفي رده على من يتهمه بالفشل في اختياره للأدوار الجيدة لأفلامه، يقول عمر الشريف: (…ماذا تنتظرون من ممثل مصري شاب لا يعرف شيئاً عن عالم السينما في هوليوود، وعرضوا عليه دوراً رئيسياً في (لورنس العرب) مع عقد يحتكر نشاطه الفني لمدة سبع سنوات لحساب شركة كولومبيا.. لقد كان هذا العقد بمثابة عقد للعبودية…). ويشرح عمر ظروف تلك السنوات السبع العصيبة، حيث كان يتقاضى خمسة عشر ألف دولار فقط عن كل دور يقوم به. لذلك ما أن انتهت مدة العقد ـ وكان عمره آنذاك 37 عاماً ـ حتى انطلق باحثاً عن المال والمزيد من الشهرة، وليقوم بأي دور لئلا يفوته القطار.