نقد

عمر الشريف.. الانطلاق نحو العالمية (3-4)

حسن حداد

المقاطعة العربية
قبل حوالي خمسة عشر عاماً، أو بالأحرى عام 1979، قام عمر الشريف بدور قصير في فيلم (أشانتي) مع الممثل مايكل كين. هذا الفيلم ـعموماًـ يهاجم العرب وبترولهم، ويصفهم بالجهل والتخلف. هذا إضافة الى أن الجزء الكبير منه صور في صحراء النقب بفلسطين المحتلة، ومثل فيه بعض الممثلين الإسرائيليين. وعلى هذا الأساس وقعت المقاطعة العربية على عمر الشريف بتهمة تعاونه مع الصهاينة، بعد أن شنت الصحافة العربية حملة شعواء على الفيلم، وطالبت بمقاطعة عمر الشريف وجميع أعماله.

أويما 20 - Uima20 | عمر الشريف.. الانطلاق نحو العالمية (3-4)

أما عمر الشريف، فيبرر اشتراكه في هذا الفيلم، بقوله: (عرض عليّ هذا الفيلم وفيه الدور الرئيسي الثاني، والذي أداه الممثل الهندي فيما بعد، على أساس إن الفيلم سيصور في المغرب.. وفي آخر لحظة قال المنتج إنه سيصور في إسرائيل. قلت له: أنا لن أذهب الى إسرائيل، ليست لدي الرغبة في أن أصور في إسرائيل. قال: إنك مضطر لأنك وقَّعت العقد، وأنا بعت الفيلم على اسمك. قلت: هذا لا يهمني، لقد اتفقنا على المغرب ولن أذهب الى إسرائيل، فأعطي الدور الى ممثل آخر، ولكنه قال: عليك أن تقوم بدور صغير حتى أستطيع أن أضع اسمك على ملصقات الفيلم. فاقترح أن نصور في مدينة باليرمو في صقلية، ودفع ـ بالضبط ـ مبلغ مائة ألف دولار مقابل التصوير لمدة أسبوع، وكنت في ضائقة مادية حينها…).

هكذا تكلم عمر الشريف وبصراحة، بل إنه عاتب على البلدان العربية التي لامته، والتي عندما أرادت استثمار أموالها في السينما العالمية، بإنتاج فيلم (الرسالة) للمخرج مصطفى العقاد، لم تفكر فيه تماماً، واستعانت بالممثل أنتوني كوين.. خصوصاً إن رأسمال الفيلم والمخرج والموضوع عربي، وهو منذ سنوات يحمل اسم السينما والثقافة العربية في المحافل الدولية.. هذا مع العلم بأنه كان في حالة مادية سيئة، ولم يعمل في أي فيلم خلال الأربع سنوات التي سبقت إنتاج الفيلم. 

أويما 20 - Uima20 | عمر الشريف.. الانطلاق نحو العالمية (3-4)

ويواصل عمر الشريف حديثه، فيقول: (…ثم أنني لم أذهب الى إسرائيل، رفضت الذهاب.. فبماذا يتهمونني؟ لأني صورت فيلماً لم أذهب من أجله الى إسرائيل؟ لقد شرحت كل هذا لجامعة الدول العربية، وعلى هذا الأساس رفع الحظر، فماذا يريدون مني؟…).

في الحقيقة، إن هذه المقاطعة العربية، كانت ظالمة بالنسبة لعمر الشريف، وهو الذي عانى الأمرِّين.. فبالإضافة الى الحرب العربية ضده على صفحات المجلات والصحف العربية، كان هناك بالمقابل سطوة رأس المال الصهيوني على السينما الأمريكية.. فعندما بدأ عمر الشريف مشواره نحو العالمية، وأصبح أحد خمسة كبار في السينما العالمية، شنت عليه الصهيونية حملة شعواء مفادها إن عمر كان طياراً سابقاً أغار على إسرائيل وقتل بني إسرائيل.

وبالرغم من كل هذه العقبات والمشاكل التي صادفها عمر الشريف في مشوار حياته، إلا أنه لم يتوقف وواصل مسيرته السينمائية وحياته الخاصة كذلك، والتي اقتصرت ـ في أكثر الأحيان ـ على ممارسة هواياته واهتماماته في لعب البريدج والسكربل وتربية الخيول، واستمر في تنقله من لندن الى باريس الى هوليوود وغيرها، حتى استقر به المقام في باريس في بداية الثمانينات. 

أويما 20 - Uima20 | عمر الشريف.. الانطلاق نحو العالمية (3-4)

وأصبحت السينما بالنسبة إليه مجرد أكل عيش (كما يقول). فقد كان لا يشارك في أي فيلم إلا إذا أحس بضائقة مالية. فهو يذكر ـ بصراحة ـ في إحدى مقابلاته الصحفية بأن عمله في السينما يرتبط بخسارته على موائد البريدج، حيث يقول: (…عندما كنت أترك صالة ألعاب بعد أن أكون قد خسرت كل نقودي، كنت أتصل بمتعهدي كي يجد لي دوراً ما في أي فيلم…). 

ومعنى هذا بأن عمر الشريف قد انغمس في مباريات البريدج والسهر ومراهنات سبق الخيل، وانشغل عن تقديم الفن الحقيقي والجاد، ولهذا انحسر نجمه لفترة طويلة، غير إنه ـ في نفس الوقت ـ كان يعاني وحيداً، ويشعر دائماً بأن عليه أن يجتاز مرحلة حساسة من مراحل التحدي الشخصي، وضرورة إثبات الوجود.. ذلك لأنه يريد أن يبرهن لنفسه وللسينما العالمية التي خذلته، أن بإمكانه النهوض من كبوته الفنية، وإن النجاح بالنسبة إليه لم ينته مع فيلم (الدكتور زيفاجو).

أويما 20 - Uima20 | عمر الشريف.. الانطلاق نحو العالمية (3-4)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى