هل كان سقوط إسماعيل يس عن عرش الكوميديا حتميًا
عمرو شاهين
بالتأكيد نقد أحد أعلام الكوميديا في مصر والعالم العربي، ورجل قدم ما يقترب من 250 عمل فني بين مسرح وسينما هو أمر شائك، فالعالم العربي يميل دائما لتأليه الفنانين ذوي الرحلات الطويلة أو الشعبية الجارفة، ولا يتقبل بسهولة كلمات نقد مضادة، فإذا كنت من هؤلاء فأعتقد أن هذا المقال لن يعجبك على الإطلاق.
لنتغاضى عن فيلمي خلف الحبايب ومصنع الزوجات، ولنبدأ من نقطة انطلاقه حقيقة في مسيرة (سمعة) الفنية، لنبدأ من علي بابا والأربعين حرامي عام 1942 من إخراج وتأليف توجو مزراحي وبطولة على الكسار، هنا تبدأ أولى خطوات صعود ولمعان نجم إسماعيل يس وأيضا أولى خطوات سقوطه.
كان منطقي أن يتأثر إسماعيل الممثل بإسماعيل المونولوجست الذي يقوم بحركات ساخرة على المسرح أثناء غناءه المونولوجات، وأيضا الممثل المسرحي الذي يعتمد بشكل ما على المبالغة في الأداء مثله مثل جميع المسرحين، ولم تكن السينما المصرية قد نضجت بعد لكي يتضح ذلك الخط الفارق بين التمثيل المسرحي والتمثيل السينمائي، لذلك كان أداء إسماعيل يس لشخصية الساذج الطيب المضحك المفتعل في الكثير من الأحيان منطقي ومقبول وقتها.
لماذا كان هذ الأداء مقبول وقتها؟ لأن السينما المصرية كانت فن وليد، بينما اعتاد الجمهور على الأداء المسرحي، لك تكن الأفلام الأجنبية قد وصلت إلى المشاهد بكثافة مقبولة، بل إنه كما قولت سابقا لم يكن هناك ذلك الحد الفاصل بين التمثيل المسرحي والسينمائي، ففي تلك الفترة يقدم إسماعيل يس ما اعتاد المشاهد رؤيته على المسرح ولكن عبر شاشة السينما، وهو الامر الذي حقق لسمعة دفعة قوية ولكن سمعة لم يتفهم الأمر جيدا وقتها.
كان بجوار إسماعيل يس في على بابا والأربعين حرامي، نموذج أخر، كان في طريقه للسقوط عن العرش، بل وسقط فعليا قبل أن يصل سمعة للعرش، سقط على الكسار وأخلى الساحة للريحاني الذي كان يستحق التسيد، الفارق بين الريحاني وعلى الكسار هو الفارق بين إسماعيل يس وفؤاد المهندس على سبيل المثال.
الريحاني كان يدرك ذلك الفارق بين السينما والمسرح، كان يدرك تمام الإدراك أن شخصية واحدة في جعبته لن تضمن له الاستمرارية، ورغم النجاح المدوي لشخصية كشكش بيك على المسرح لم يقدمها الريحاني في السينما إلى مرتين في فيلمين اختفى أثرهما ولم نشاهدهما، غير ذلك فأنت تجد سمات رئيسية في الشخصيات التي قدمها الريحاني منها الطيبة والمأساة، ولكن بين كل شخصية يوجد العديد من الاختلافات فسلامة مختلف عن جابر مختلفان عن شحاتة مختلفون عن حسن المختلف كليا عن حمام وإبراهيم.
ذلك ما دعم استمرارية الريحاني كنجم لم تنحصر عنه الأضواء للحظة اثناء حياته، ووضعه في أعلى المراتب بعد وفاته، بينما الكسار لم يطور تلك الشخصية التي نجح بها في المسرح، شخصية عثمان البربري الطيب الساذج المضحك، ظل يقدمها حتى مل الجمهور منه فاختفى وانحسرت عنه الأضواء بغته فعاد للظل ومات فيه.
ما فعله إسماعيل يس هو الأمر ذاته، فمنذ ظهوره على شاشة السينما حتى أعماله الأخيرة يقدم في الغالب نفس الشخصية الطيب الساذج المضحك ذو الشكل المثير للضحك، بنفس الإفيهات والمصطلحات والحركات، فأي شخصية لسماعيل يس هي معادة ومكررة والأسوأ أنها متوقعة.
ربما كان من المنطق أن يختفي سمعة عن الساحة في بدايات الخمسينات، حيث تقوم السينما والفن المصري عموما بتغير جلده، ولكن شيء ما نفخ فيه من روحه فاستمر قليلا، من قام بذلك كان فطين عبدالوهاب وأفلام الجيش المصري، الجيش والأسطول والطيران وخلافه من جميع الأفرع والأسلحة.
نعود إلى سمعة بعدما افرغت ما في صدري من غيظ ضد أشرف بسبب هذا الخطأ المشين، سمعة لم يتطور قيد أنملة، كل الحركات كل التفاصيل بل كل الإفيهات أيضا ولكن إحقاقا للحق كان فطين ومن تلوه بارعين في اختيار من يقف بجوار سمعه، بل إن افضل ما في أفلام إسماعيل يس في رأيي هم من كانوا بجواره، لم يرى سمعة التغيرات التي تقوم بها زينات صدقي داخل نفس القالب الذي تقدمه، لم يرى ما يقدمه القصري من تطوير وتجديد داخل نفس القالب، القصبجي كذلك كان يطور ويجدد بل إن حسن آتله كان له نصيب من تطوير القالب الذي يقدمه، كلهم تطوروا عدا سمعة ظل محلك سر.
انعكس هذا على المسرح، ففرقة إسماعيل يس المسرحية لم تعد الفرقة الأولى بل صارت تخسر وتخسر وتخسر، في الوقت الذي كانت أفلامه تربح لأسباب كثيرة أخرها سمعة نفسه، كانت بداية سمعة ونجوميته هي نهايته وسقوطه، لم يتعلم مما آل إليه الكسار، لم يتعلم من مسيرة الريحاني، الريحاني الذي تنبأ لسمعه بمستقبل عظيم، لم يتعلم سمعه من كل ما حوله فقط سقط فنيا قبل أن تسقطه الضرائب والمؤامرة، وفي رأيي أن سمعه هو أول المتآمرين على نفسه قبل أن يتأمر عليه أحد.
بالمناسبة لا يوجد إطلاقا فيلم يدعى "إسماعيل يس في المطافئ" تصحيحا لأحد البرامج الذي يقدمها أشرف عبدالباقي الذي عرف عنه اهتمامه بسمعه وتقديم مسلسل عن حياته ولكن (عادي بقى محدش بياخد باله).