أنا وحميد.. قصة أوتوجراف على قميص زائر الفجر (2-2)
مصطفى حمدي
(3)
عقارب ساعة الأستوديو تشير إلى الخامسة فجرًا، جئنا لنفوز بربع ساعة من وقت حميد الشاعري فجلسنا ساعة ونصف، والنوم الذي يخيم على عينيه غادر سريعا، سمعنا بعض الأغنيات التي يجهزها، وتناولنا فنجانين من القهوة، بينما أمسك الكابو الجيتار وواصل العزف، ليعدل شيئا في اللحن لصديقي، وسط الحديث كشف عن رأيه بوضوح في ألبوم "تملي معاك" الصادر منذ أشهر لصديقه عمرو دياب.
رغم القطيعة الفنية الطويلة قال حميد الشاعري: "ألبوم تملي معاك من أعظم ماقدم عمرو طوال مشواره"، لمست صدقًا فيما يقوله، فسألته عن سر الخلاف الذي أوقف العمل بينهما أثناء تسجيل ألبوم "قمرين"، أكتفى برد ديبلوماسي: "خلاف في وجهات النظر بس". بعد قليل عرف أنني بدأت خطواتي الأولى في الصحافة، قال لي: أنت مشروع مطرب، تملك خامة صوت جيدة وإحساس ملموس، ولكن افعل ماتحب، لو عايز تغني غني، لو عايز تكتب أكتب، كُن ماتريد لا مايريده الآخرون ".
هنا في نفس الأستوديو قبل سنوات بعيدة، راهن حميد مصطفى قمر على دور كوتشينة مقابل الأغنية، يضحك مدير الإنتاج فايز عزيز أحد شركاء النجاح في شركة "سونار" صانعة نجوم التسعينات وهو يقول: "حقيقي حميد تمسك بالأغنية جدًا، وأمام رفض مصطفى راهنة على دور كوتشينة ومن يكسبه سيغني "عودة"، وكالعادة فعلها حميد وفاز بالدور والأغنية، أما مصطفى قمر فقدمها له بنفس راضية فعلًا، ربما كان امتنانًا لحميد، ولكن مصطفى قدم الكثير من الألحان لأصدقاء المرحلة بمحبة حقيقية".
صدر ألبوم كواحل في مطلع 92، وصور حميد الكليب مع المخرج طارق الكاشف، وأنتجته قناة mbc الوليدة في هذه الفترة، كليب بسيط يجلس فيه مرتديا تي شيرت أسود ويعزف بالجيتار في مقهى خالي، ولكن حميد حرص على ظهور رجاله معه في الأغنية، كل الأصوات الشابة التي قدمها كانوا إلى جواره في مقدمتهم مصطفى قمر وإيهاب توفيق وأمين سامي الذي يعد أجمل أصوات هذه الدفعة ولكنه لم يملك عنادًا وحظًا يكمل بهما الطريق.
وطريق العودة لمنزلي سأقطعه صباحًا قبل استيقاظ القاهرة البائسة، وسيارة صديقي الملحن تعطلت في الخارج وبعد زقتين تحركت بنا، خرجت من الأستوديو على وعد بلقاء آخر مع حميد، فقط وعد يوثق في ذاكرتي اللقاء الأول، لم تدخل تقنية الكاميرات على الهواتف المحمولة وقتها كي نوثق كل لحظة، في زمن ماقبل انستجرام وفيس بوك وصور السيلفي كان الأوتوجراف هو الحل لمن لايملك كاميرا فوتوغرافية.
الاوتوجراف توثيق معتاد لذكرى وحيدة بين النجم والمعجب حتى لو اضطر الأخير لمنحه كُم قميصه ليوقع عليه، كدت أن أفعلها ولكنني تراجعت حفاظًا على قميص كنت أعتز به، مرت سنوات قليلة قبل أن يتخلى صديقي عن حلم التلحين ويسافر للعمل مهندسًا في الإمارات، أما أنا فقابلت حميد مرة أخرى بعد عشر سنوات في ميدان التحرير قبل التنحي بأيام، كان بصحبة بعض الأصدقاء المشتركين، أخذنا صخب حديث السياسة من التحرير حتى ميدان طلعت حرب، قبل أن يتذكرني قائلا: "أحنا اتقابلنا قبل كده؟".